شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه المخالفين:

صفحة 284 - الجزء 1

  وجوابنا، أن هذا التقدير محال، فلا جرم أن الجواب عنه أيضا محال. فنقول:

  خطأ قول من يقول: إنه يدل على كونه جاهلا، وخطأ قول من يقول: لا يدل على ذلك، وهذا أولى مما يقوله مشايخنا البغداديون: أنه تعالى يعلم وجود الإيمان منه، لأن هذا والحال هذه تجويز البدل على صفات اللّه تعالى، وذلك شر مما تجوزه النجارية، فالأولى ما قلناه.

  وصار الحال في ذلك، كالحال فيما إذا دلت الدلالة على أنه تعالى عدل حكيم لا يفعل القبيح، ودلت الدلالة أيضا على أن الظلم يدل على جهل فاعله، ثم يقدر فيقال: لو وقع من جهة اللّه تعالى الظلم، هل يدل على جهله وحاجته أم لا يدل؟ فكما أنا نحيل السؤال ولا نجيبه بلا ولا بنعم، بل نقول خطأ قول من يقول: إنه يدل على جهله وحاجته، وخطأ قول من يقول: لا يدل، كذلك في مثلنا.

  ويمكن أن يكون لذلك مثال في الشاهد فيقال: لو أخبرنا صادق بأن هذا البيت لا يدخله قرشي فإنا نعلم ذلك، فلو قال قائل: لو قدرنا أن يدخله قرشي، أفتعلمون أنه لا يدخله قرشي أم لا تعلمون ذلك؟ قلنا: إن هذا التقدير محال فنحيل السؤال عنه، ولا نجيب بلا ولا بنعم، بل نقول: خطأ من يقول: نعلم أنه لا يدخله، وخطأ قول من يقول: لا نعلم أنه لا يدخله، كذلك في مسألتنا.

شبه المخالفين:

  وللمخالف في هذا الباب شبه:

  من جملتها، هو أنهم قالوا: إن الفعل كما يحتاج عند الصحة إلى أمر، يجب أن يحتاج عند الوقوع إلى أمر. كما أن كون الجوهر متحركا لما احتاج إلى أمر عند الصحة وهو الحيز، وجب احتياجه عند الوجوب إلى أمر وهو الحركة.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذا جمع بين أمرين من غير علة تجمعهما، فلا يصح.

  ثم يقال لهم: لو وجب ما ذكرتموه في الواحد منا، لوجب مثله في القديم تعالى، والمعلوم أنه تعالى لا يحتاج في إيقاع الفعل إلى أمر زائد على ما يحتاج إليه في صحة الفعل. فإن قالوا: إنه يحتاج إلى أمر زائد وهو الإرادة، قلنا: لو كان كذلك لوجب قدم العالم، لأنه تعالى مريد لذاته عندكم أو بإرادة قديمة، فيلزم قدم العالم.