شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه المخالفين:

صفحة 288 - الجزء 1

  والعجب من هؤلاء أنهم يوردون علينا مثل هذا الكلام، ومن مذهبهم أن الطريق منسدة إلى تخليص المكلف نفسه من عقاب الأبد والفوز بالنعيم السرمدي، لأنه إذا عصب الكفر بناصيته في الأزل وجرى العلم بذلك، كيف يمكنه إخراج نفسه عنه، وكيف ينفك عنه؟ فأي رغبة تثبت إلى اللّه تعالى والحال هذه، ولولا فرط جهلهم وقلة عقولهم، وإلا فما وجه الميل إلى التشيع لمثل هذا الكلام.

  وأحد ما يتعلقون به، هو أن من حق الدلالة أن تكون مقارنة للمدلول، ألا ترى أن صحة الفعل لما كانت دلالة على كونه قادرا وجب فيها المقارنة، وكذلك القدرة يجب أن تقارن مقدورها.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذه الشبهة مع ركتها مبنية على أصل لا يصح، وهو أن من حق الدلالة أن تكون مقارنة للمدلول عليه، وليس كذلك، فإن المعجز دلالة على النبوة، ثم لا بد من أن يتقدمه المدلول، إذ لو لم يتقدمه لكان في ذلك ظهور المعجز على من ليس بصادق في دعواه. إن المعجز لا بد من أن يكون عقب دعوى المدعي للنبوة، لا بد من أن يكون نبيا حتى يدعيه، وإلا كان كاذبا في الدعوى.

  وأما قولهم في الفعل، فلا يصح، لأن الفعل إنما يدل على أن فاعل كان قادرا، فقد تقدم المدلول وتبعته الدلالة، فكيف أوجبوا في ذلك المقارنة؟ ثم يقال لهم: ومن أين وجب إذا كانت هذه الطريقة واجبة في الدلالة أن تكون واجبة في القدرة أيضا؟

  وله هذا إلا فرط الجهل الذي لا دواء له.

  وأحد ما يتعلقون به، قولهم: إن القدرة لو كانت صالحة للضدين لكان لا يكون أحدهما بالوقوع أولى من صاحبه إلا بأمر ومخصص، كما في الجوهر، فإنه لما صح أن يكون كائنا في هذه الجهة، وصح أن يكون كائنا في غيرها، ثم لم يختص ببعض الجهات دون بعض إلا بأمر ومخصص وهو الكون، فكان يجب مثله في مسألتنا.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذا إنما كان يلزم إن لو كان تأثير القدرة على سبيل الإيجاد، فأما وتأثيرها فيما تؤثر فيه على طريق الصحة والاختيار، فلا يمتنع أن يختار أحد الضدين دون الآخر، وإن لم يكن هناك أمر زائد على كونه قادرا ألا ترى أنه إذا قرب إليه طبق وعليه جملة من الرطب فإنه يتناول من ذلك بعضها دون البعض، مع أن الذي له ولأجله تناول هذا ثابت في الباقي، ثم لا يطلب لذلك أمر