شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

والله لا يحب الفساد

صفحة 310 - الجزء 1

  أن يكون بمثابته في القبح، والذي يؤثر في كون الكلام أمرا وخبرا ليس إلا الإرادة.

  فإن قيل: يلزم على هذا أن تكون القدرة على القبيح قبيحة، لأنها تؤثر في ذلك.

  قلنا: إن بينهما فرقا، فإن القدرة مصححة، وتأثيرها على طريق التصحيح، خلاف الإرادة.

  فإن قيل: هلا انقسمت إرادة القبيح إلى ما يكون قبيحا وإلى ما يكون حسنا كما تنقسم إرادة الحسن إلى ما يكون حسنا وإلى ما يكون قبيحا؟

  قلنا: إن إرادة القبيح إنما تقبح لكونها إرادة للقبيح، بدليل أنها متى عرف كونها على هذه الصفة عرف قبحها وإن لم يعلم أمر آخر، ومتى لم يعرف كونها على هذه الصفة جوز أن تكون حسنة وجوز أن تكون قبيحة، فلم يجز انقسامها إلى قبيح وحسن، وليس كذلك إرادة الحسن، فإنها لا تحسن لكونها إرادة للحسن، فلم تمتنع تلك القسمة التي ذكرناها. ولهذا فإن المستحق للعقوبة، لو أراد من اللّه تعالى أن يعاقبه فإن إرادته قبيحة والعقوبة حسنة.

  فإن قيل: لو وجب في الإرادة المتعلقة بالقبيح أن تكون قبيحة كلها، لوجب في الإرادة المتعلقة في الحسن أن تكون حسنة كلها، لأنهما في طرفي نقيض.

  قلنا: غير ممتنع في فعل من الأفعال إذا كان قبيحا كله أن لا يكون نقيضه حسنا كله، فإن الكذب قبيح كله، ثم ليس يجب في الصدق أن يكون حسنا كله، فإنك تعلم أن من الصدق المتضمن لدلالة على نبي قد توارى عن عدوه يكون قبيحا، وكذلك فإن تكليف ما لا يطاق قبيح كله، ولا يجب في تكليف ما يطاق أن يكون حسنا كله.

  وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للعاصي، هو أنه تعالى لو كان مريدا لها لوجب أن يكون حاصلا على صفة من صفات النقص وذلك لا يجوز على اللّه تعالى، وبهذه الطريقة نفينا الجهل عن اللّه تعالى.

  فإن قيل: ولم قلتم إذا كان مريدا للمعاصي وجب أن يكون حاصلا على صفة من صفات النقص؟

  قلنا: الدليل على ذلك الشاهد فإن أحدنا متى كان كذلك، كان حاصلا على صفة من صفات النقص، وإنما وجب ذلك لكونه مريدا للقبيح، فيجب مثله في اللّه تعالى.

  فإن قيل: إنما وجب ذلك في الواحد منا لأنه مريد بإرادة محدثة يستحق بفعلها