كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها
  الذم إذا تعلقت بالقبيح، والقديم تعالى مريد لذاته، فكيف يقاس أحدهما على الآخر؟
  قلنا: إن هذا لا يصح، لأن الصفة إذا كانت من صفات النقص فلا يفترق الحال بين أن تكون مستحقة للنفس وبين أن تكون مستحقة للمعنى، ألا ترى أن كونه جاهلا لما كانت من صفات النقص، لم يفترق الحال بين أن تكون مستحقة للنفس، وبين أن تكون صادرة عن علة في أنه في كلا الحالين يقتضي النقص.
  فإن قيل: إن اللّه تعالى إنما يريد القبائح والمعاصي أن تكون متناقضة فاسدة، لا أنه يريدها على الحد الذي يريدها. قلنا: وأي مانع من أن يريدها على هذا الحد أيضا وهو مريد لذاته أو بإرادة قديمة، والإرادات غير مقصورة على بعض المريدين دون بعض، على أن الإرادة لا تتعلق بقبح القبيح وفساد الفاسد، ولهذا لا يختلف الحال في القبح وفساده بالإرادة وعدمها.
  وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي، هو أنه نهى عن ذلك، فلو كان مريدا لها لم يجز ذلك، ألا ترى أن العاقل في الشاهد لو فعل ذلك لسخر منه وهزئ به، وإذا لم يجز ذلك فيما بيننا فلأن لا يجوز على اللّه تعالى وهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين أولى وأحق.
  وأيضا، فلو كان مريدا لها مع أنه نهى عنها لكان يجب أن يكون حاصلا على صفتين ضدين، إذ النهي لا يصير نهيا إلا بالكراهة، وذلك محال.
  وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي، هو أنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مختارا لها، لأن الاختيار والإرادة واحد.
  ومتى قيل: إن الاختيار إنما يستعمل في الإرادة المتعلقة بفعل نفسه فكيف يصح هذا الكلام؟ قلنا: أليس من مذهبكم أن هذه المعاصي كلها من فعل اللّه تعالى، فجوزوا ما ألزمناكم.
  وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي، هو أنه لو كان مريدا لها لوجب أن يكون محبا لها وراضيا بها، لأن المحبة والرضا والإرادة من باب واحد، بدلالة أنه لا فرق بين أن يقول القائل أحببت أو رضيت، وبين أن يقول أردت، حتى لو أثبت أحدهما ونفى الآخر لعد متناقضا. فهذا جملة الكلام في ذلك.