شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس

صفحة 314 - الجزء 1

  الاختيار لكي لا يستحق من اللّه تعالى العقوبة، ثم إنه لشقاوته وسوء اختياره إذا لم يختر ذلك، لم يدل على عجز الرسول #، وكذلك فإن المسلمين إذا أرادوا من النصارى واليهود أن يتركوا المضي إلى الكنائس والبيع وأن يدخلوا في الإسلام على طريق الاختيار، فإذا لم يتركوا ذلك لم يدل على عجز المسلمين وضعفهم، وإنما يدل على عجزهم أن لو رجع إليهم بنفع أو ضر، فأما إذا خلا عن هذين فلا.

  ثم يقال لهم: أليس اللّه تعالى أمر عباده بالطاعة ثم لم يقع، لم يدل على ضعفه وعجزه، مع أن الملك في الشاهد لو أمر جنده بأمر من الأمور ثم لم يقع، لكان ذلك أدخل في عجزه وضعفه من أن لو أراد منهم ذلك الأمر ثم لم يقع، فهلا فرقتم بين الشاهد والغائب في هذا الغاب.

  فإن قالوا: فرق بين الموضعين، لأن أحدنا لا يأمر إلا مع الإرادة فلهذا يدل على عجزه وضعفه، وليس كذلك القديم تعالى فإنه قد يأمر بما لا يريده، فلا يجب ما ذكرتموه، قلنا لهم: هذا لا يصح لأن اللّه تعالى لا يأمر بما لا يريده.

  وبعد، فلو كان كذلك لكان يجب إذا أمر الملك بأمر من الأمور من دون الإرادة ثم لا يقع بأن لا يلتفت إليه أن لا يدل على عجزه ونقصه، والمعلوم خلافه، على أنا قد بينا أن الأمر لا يصدر أمرا إلا بالإرادة، وأن هذه القضية تختلف شاهدا وغائبا، ففسد ما قالوه.

  ثم إنا نقول لهم لو وجبت هذه الطريقة في الإرادة لوجبت أيضا في المحبة والرضى، فكان يجب في الملك إذا أحب فعلا من الأفعال من الرعية ثم لا يقع دل على عجزه ونقصه، ومعلوم خلافه، إلا أن هذا مما يلتزمه الأشعري فلا معنى لإلزامه إياه، وإنما يجب أن نلزمه النجارية، فإنهم يرومون الفرق بين الإرادة والمحبة والرضى ولا يتأتى ذلك لهم، فقد بينا فيما تقدم أن هذه الإرادة والمحبة والرضى كلها من باب واحد، ودللنا عليه بما لا طائل في إعادته.

  فإن قالوا: كيف يصح قولكم إن الإرادة والمحبة والرضى من باب واحد مع أن القائل يقول: أحب جاريتي ولا يقول أريدها ولا أرضاها، فلو كان معنى هذه الألفاظ واحدا لكان يجب جواز استعمال بعضها مكان البعض، كما في القعود والجلوس وغير ذلك.

  قلنا لا شك في أنها متفقة في المعنى حقيقة، ولا يمتنع في اللفظتين المتفقتين في