ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس
  المعنى أن تستعمل إحداهما مجازا حيث لا تستعمل الأخرى، وعلى هذا فإن الغائط والمكان المطمئن كان في الأصل واحدا، ثم استعمل أحدهم في الكناية عن قضاء الحاجة ولم يستعمل الآخر، كذلك في مسألتنا.
  فهذه جملة ما يقال في هذه الشبه من طريق العلم.
  فأما إذا سلكنا معهم طريقة الجدل، فالأصل فيه أن نقول: ومن أين يجب إذا لم يقع ما أراده اللّه تعالى أن يدل على عجزه؟ فإن قالوا: لأن في الشاهد إذا لم يقع ما أراده الملك من جنده دل على عجزه، وكذلك في الغائب، قلنا: وبأية علة جمعتم بين الشاهد والغائب؟ فلا يجدون إلى تصحيح ذلك سبيلا.
  ثم يقال لهم: ما أنكرتم أن هذه القضية إنما وجبت في الشاهد لأن الملك يتقوى بما يريده من جنده ويعود نفعه وضره إليه، وليس كذلك القديم تعالى، فإن المنافع والمضار مستحيلة عليه، يوضح ذلك، أن الملك لو أراد من جنده ما لا يتقوى به، كأن يريد منهم أن يصلوا بالليل ويصوموا بالنهار ليستفيدوا بذلك ويستحقوا به عند اللّه المنزلة ثم لم يقع لم يدل على عجزه وضعفه، فكيف يصح ما ذكرتموه؟
  ومما يتعلقون به، قولهم: أجمعت الأمة على أن قولهم: ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، وهذا يدل على أن كل ما وقع في العالم من الكفر والمعاصي فبمشيئة اللّه تعالى وفي ذلك ما نريده.
  والأصل في الجواب عن ذلك، أن دعوى الإجماع فيها غير ممكن لأنا نخالف فيه، وإنما هو من إطلاقات المجبرة، على أن الاستدلال بالإجماع على هذه المسألة غير ممكن، لأن كون الإجماع حجة إما أن يستند إلى الكتاب أو إلى السنة، وكلاهما إنما يثبت حجة إذا ثبت عدل اللّه وحكمته، وأنه لا يفعل القبيح ولا يختاره ولا يشاؤه، فكيف يصح هذا الإجماع.
  ثم يقال لهم: إن مراد الأمة بهذا القول لا يعلم ضرورة، فمتى لم يعلم مرادهم بهذا القول ضرورة فلا بد من أن يصار إلى التأويل كما في كتاب اللّه تعالى وسنة رسوله، لأن الإجماع إن لم ينقص عن الكتاب والسنة لا يزيد عليهما وإذا اشتغلوا بالتأويل، فليسوا به أولى منا، فنتأوله على وجه يوافق دلالة العقل والسمع، فنقول:
  إن مرادهم بذلك ما شاء اللّه من فعل نفسه كان، وما لم يشأ من فعل نفسه لم يكن، ولا يجوز غير هذا، لأن مراد الأمة بذلك وصف اقتدار اللّه تعالى وبيان