ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس
  مواظبتهم على ذلك.
  فإن قالوا: إنا قد احترزنا من ذلك بقولنا وله المنع، وليس للإمام أن يمنع الذمي من المضي إلى البيعة، فلا يلزم. قلنا: هذا احتراز لمجرد دفع الإلزام فلا يقبل، لولا هذا وإلا كان لا يعجز أحد من المبطلين عن دفع ما ألزم، ففسد ما ظنوه بهذا الجنس من الاحترازات.
  وبعد، فإنا نعرض الكلام في الحربي فيسقط هذا الاعتراض.
  ثم يقال لهم: إنا لا نسلم أن للقديم تعالى أن يمنع الكفار عن الكفر مع أنه يريد تبقية التكليف عليهم، لأن في ذلك رفع التكليف أصلا وإبطال استحقاق المدح والذم، فكيف يصح ما قالوه.
  ومما يحتجون به في هذا الباب، قولهم إن اللّه تعالى لو كان مريدا للطاعات، لوجب إذا حلف الواحد منا ليأتين بعض الطاعات، وعلقه بمشيئة اللّه تعالى كأن يقول:
  واللّه لأصومن غدا إن شاء اللّه تعالى، أن يحنث إن لم يأت بتلك الطاعة، وقد أجمعت الأمة على خلافه، فدل على أنه تعالى إنما يريد الواقعات كفرا كان أو إيمانا لا الطاعات على ما تقولونه.
  والأصل في الجواب عن ذلك على ما ذكره شيخنا أبو علي، هو أن هذا الكلام لا يراد به حقيقة الشرط، وإنما يورد لقطع الكلام عن النفاذ، وليعلم أنه شاك متردد في ذلك غير قاطع عليه كما يقتضيه العرف، وإذا كان كذلك لم يجب أن يحنث، وهذه الطريقة سلكها شيخنا أبو هاشم.
  فأما شيخنا أبو عبد اللّه البصري، فقد أجاب بجواب آخر، فقال: إن هذا الكلام وإن كان يراد به حقيقة الشرط، فإن غرض القائل بذلك: أفعل إن وفق اللّه تعالى لذلك وسهل إليه سبيلي، وإذا لم يحصل ذلك دل على أنه لم يوفق إليه، لأنه لم يكن له في المعلوم لطف يختار عنده الملطوف فيه لا محالة، ولهذا لا يحنث.
  إلا أن ما ذكره شيخنا أبو علي أسلم وأصح.
  وأبو علي لما ذكر في الجواب ما حكيناه، قيل له: فلو أراد به حقيقة الشرط كيف يكون الحال؟ قال: إنه كان يحنث، فقيل له: خرقت الإجماع، فقال: لا، لأن الإجماع لم ينته إلى ما انتهينا إليه، فلو انتهوا إلى هذا الموضع لما أجابوا إلا بمثل ما