ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس
  امتداحه، ولا يتم ذلك إلا على الحد الذي قلناه.
  يوضح ذلك، أنه لا يمتنع ضعف المريد وقوة من أريد منه الفعل، فكيف يدل وقوع ما وقع من العباد على اقتدار اللّه تعالى؟
  ثم يقال لهم: أليس الأمة قد اتفقت على قولهم لا مرد لأمر اللّه ثم لا يقدح في ذلك إصرار الكفرة على الكفر وإقدام الفسقة على الفسق، فهلا جاز مثله في مسألتنا؟
  فإن قالوا: إنما لا يقدح ذلك في الإجماع، لأن المراد بذلك لا مرد لما يريده اللّه تعالى من فعل نفسه لا من فعل غيره، قلنا: فارضوا منا بمثل هذا الجواب.
  ثم نعارضهم بقول الأمة: أستغفر اللّه من جميع ما كره اللّه، فنقول: لو كان الأمر على ما ذكرتم لكان الاستغفار واقعا عما يريده اللّه تعالى، وكان يجب أن يصح قولهم فيه: أستغفر اللّه من جميع ما أراده اللّه بدل قولهم من جميع ما كره اللّه، وقد عرف خلافه.
  وأحد ما يتعلقون به في هذا الباب، قولهم: قد ثبت أن اللّه تعالى فاعل للقبائح وخالق له فيجب أن يكون مريدا لها، لأن العالم بما يفعله لا بد من أن يريده، كما في الشاهد، فإن الواحد منا إذا كان فاعلا للقبيح عالما به كان مريدا له، وكذلك القديم تعالى.
  قلنا: وبأية علة جمعتم بين الشاهد والغائب؟ فلا يجدون إلى ذلك سبيلا.
  ثم نقول لهم: أليس الواحد منا يفعل الإرادة والكراهة ثم لا يجب أن يكون مريدا لهما وإن علمهما، فهلا جاز مثله في القديم تعالى؟ على أن هذه الشبهة مبنية على أن اللّه تعالى فاعل للقبائح وخالق لها، ودون تصحيح ذلك خرط القتاد.
  شبهة أخرى لهم في المسألة، قالوا: إن القديم تعالى إذا كان عالما بما في العالم من الكفر والمعصية ثم لا يمنع من ذلك مع أن له المنع منه، دل على أنه مريد له، والذي يدل عليه الشاهد، فإن الملك إذا علم من جنده ورعيته أمرا من الأمور ثم لا يمنعهم من ذلك مع أن له المنع منه، دل على أنه مريد لذلك الأمر، كذلك في مسألتنا.
  وجوابنا، أن هذا باطل بالإمام والمسلمين إذا علموا بمضي اليهود والنصارى إلى الكنائس والبيع، لأنهم مع علمهم بذلك إذا لم يمنعوا لم يدل على أنهم أرادوا