شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الرد على شبهة أن الله لا يجب معرفته أصلا

صفحة 33 - الجزء 1

  فإنا إنما سوغنا له ذلك في الفروع، وفيما يكون طريقه الاجتهاد، فلا يصح قياس الأصول عليه، وعلى أنا لم نجوز للعامي أن يعتقد صدق ما يقوله العالم والقطع عليه وعلى أن خلافه كذب، وإنما الذي سوغناه له أن يعمل بقوله فقط.

الرد على شبهة أن اللّه لا يجب معرفته أصلا

  ثم إنه | سأل نفسه فقال: كيف يصح قولكم: إنه تعالى إذا لم يعرف من وجه، وجب أن يعرف من وجه آخر، وفي الناس من قال: إنه لا تجب معرفته أصلا.

  وأجاب عنه: بأنا إنما بينا ذلك على أن معرفة اللّه تعالى واجبة، وسنبينه في هذا الفصل، ثم قلنا: الطريق إلى معرفة اللّه تعالى لا يخلو من أحد أمور ثلاثة، وقد بطل اثنان منها، فبقي الثالث، وهذا صحيح.

الدليل على أن معرفة اللّه واجبة

  ثم الدليل على أن معرفة اللّه تعالى واجبة هو أنها لطف في أداء الواجبات واجتناب المقبحات، وما كان لطفا كان واجبا لأنه جار مجرى دفع الضرر عن النفس.

  وإنما قلنا إنها لطف، لأن اللطف ليس بأكثر من أن يكون المرء عنده أقرب إلى أداء الواجبات وترك المقبحات، على وجه لولاه لما كان بهذه المثابة؛ ومعرفة اللّه تعالى بهذه الصفة. ألا ترى أن الإنسان إذا عرف أن له صانعا صنعه ومدبرا دبره إن أطاعه أثابه وإن عصاه عاقبه، كان أقرب إلى أداء الواجبات، وترك المقبحات. وإن كنا إذا حققنا قلنا: فاللطف هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب لأنه الذي يثبت له حظ الدعاء والصرف، إلا أن ذلك لما ترتب على العلم باللّه، عد العلم باللّه تعالى في اللطف لما لم يتم اللطف إلا به.

  وقد اختلف كلام قاضي القضاة: في هذا الباب؛ فمرة أشار إلى ما ذكرناه، ومرة قال القضاة بل لا شيء من المعارف التي يوجبها على المرء، إلا وله حظ في اللطف، ألا ترى أنه لو لم يعلم اللّه تعالى قادرا عالما، لم يكن علمه باستحقاق الثواب والعقاب من جهته لطفا له.

فهرس لما ينبغي فيه النظر

  ثم إنه | ألحق بهذا كالفهرست لما يريد أن يذكره من بعد، فقال: إذا لم يكن بد من النظر، فينبغي أن ينظر في هذه الحوادث من الأجسام وغيرها ويرى جواز