فصل
  وإذ جنى بعضهم على بعض أخذ الأرش من مال الجاني وضمه إلى مال المجني عليه، وكذلك القديم تعالى.
  واعلم أنه تعالى لا يجوز أن يمكن أحدا من إيصال الألم إلى غيره، إلا إذا كان في المعلوم عوض يستحقه، إما على اللّه تعالى أو غيره.
  لأنه إذا كان لا بد من الانتصاف فليس يتصور إلا على الطريقة التي ذكرناها، وهو أن يأخذ العوض من المؤلم ويوفره على المؤلم، فيكون قد سلك مع الحيوانات كلها طريقة الانتصاف على ما ضمنه، فقد روي على النبي ﷺ: أنه تعالى ينتصف يوم القيامة للمظلوم من الظالم، حتى الجماء من القرناء.
  ومتى قيل: هلا جاز أن يمكن أحد من الإيلام وإن لم يكن له في المعلوم عوض يستحقه، ثم إذا وافى عرصات يوم القيامة تفضل اللّه عليه بالقدر الذي يلزمه توفيره على ذلك المؤلم، ثم يأخذه منه ويضعه في المؤلم، كان الجواب: إن ذلك ليس من الانتصاف في شيء، إذ الانتصاف هو أن تأخذ للمظلوم من الظالم حقه، لا أن يتفضل اللّه على الظالم ليأخذ منه المظلوم، وعلى هذا فإن قاضي بلدة إذا سارع إليه خصمان فأراد القاضي الانتصاف منهما فإنه يأخذ الحق من المستحق عليه ويضعه في المستحق، فأما أن يوفر ذلك من كيسه على المستحق دون أن يتعرض للمستحق عليه فإنه لا يكون منتصفا.
فصل
  ثم إنه | أورد شبهة متصلة بباب الآلام تتعلق بها الملحدة، وهي أن قالوا: لو كان لهذا العالم صانع حكيم لكان لا يحسن منه خلق هذه السباع الضارية الخبيثة نحو الذئب والأسد والنمر، والحيوانات المؤذية القتالة، والصور القبيحة المستنكرة مثل الحيات والعقارب، وفي علمنا بوجود هذه الأشياء، دليل على أن لا صانع لها هاهنا.
  وهذا كما تتعلق به الملحدة فقد يتعلق بها المجبرة، فإنهم يقولون: إن هذه الصور مع أنها قبيحة حسن من اللّه تعالى خلقها، فيجب أن تحسن منه سائر القبائح.
  وجوابنا عن ذلك، هو أن نقول: إن هذه الصور وإن استقبحها بعض الناس لم يستقبحها البعض، فلو كانت قبيحة من جهة العقل والحكمة لم يختلف في استقباحها العقل، كما في الظلم والكذب، فأما الاستحلاء وعدم الاستحلاء فمما لا يؤثر في قبح