شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل

صفحة 342 - الجزء 1

  شيء من الأشياء، لأنك تستحلي كثيرا من الأشياء وهو قبيح في نفسه، وتستقبح أيضا كثيرا منها وهو حسن، على ما مر في أول الكتاب.

  يبين ذلك أن هذه الصور وإن كانت قبيحة من جهة المرأى والمنظر، فإن فيه أغراضا حكمية لا يعلمها إلا من أنصف نفسه، وأدى الفكر حقه.

  فإن قيل: وما تلك الأغراض؟ قلنا: نفع هذه الحيوانات أولا، ثم نفع العباد، فإن خلق هذه الحيوانات كما تضمن التفضل عليها بالإحياء والإقدار، وخلق الشهوة والمشتهي، والتمكين من الانتفاع به، فقد تعلق بها منافع الغير الدينية والدنيوية.

  فأما المنافع الدنيوية فإنك تعلم أن هذه المعاجين الكبار إنما تتخذ من الحيات والعقارب، ألا ترى أن الترياق مع أنه أصل في دفع هذه المسمومات، إنما يتخذ من بعض الحيات والعقارب، وهكذا الحال في واحد واحد من هذه الحيوانات، فما من شيء منها إلا وتتعلق به منفعة على حد لا تتعلق تلك المنفعة بغيرها. هذا هو الكلام في المنافع الدنيوية.

  وأما المنافع الدينية، فهو أنا إذا شاهدنا هذه الصور المنكرة، والحيوانات المؤذية الكريهة المنظر، كنا إلى الاحتراز من عذاب اللّه تعالى المشتمل على أضر من هذه الحيوانات كلها أقرب، وعن الوقوع فيما يوجبه علينا ويجره إلينا أبعد، بل كان لا يتصور من اللّه تعالى تخويفنا بما لديه من العقوبات المعدة لمستحقيها إلا بهذه الطرق، فإنا ما لم نشاهد هذا الجنس فيما بيننا، لا ننزجر عما توعدنا عليه كل الانزجار.

  فإن قيل: ليس هذه الحيوانات إلا الضر المحض، فإنها مضرة مؤذية، فيجب أن يقبح منه تعالى خلقها.

  فجوابنا على ذلك، أن ضرر هذه الحيوانات ليس بأكثر من ضرر الناس، فلو كان قبح من اللّه تعالى خلقها لهذا الوجه، كان يجب أن يقبح منه خلق أكثر الناس، يوضح ذلك، أن ضرر أكثر هذه الحيوانات لا يفي بضرر الحجّاج وشبهه من الظلمة أبادهم اللّه تعالى، ثم لم يحكم بقبح خلق الناس. فقد بطل ما قلتموه.

فصل

  وقد أورد | سؤالا على نفسه يوشك أن يكون شبهة للمجبرة.