الخلاف مع بشر بن المعتمر
  النوافل، فإنه تعالى كما كلفنا الواجبات فقد كلفنا النوافل أيضا، فكان يجب عليه اللطف سواء كان لطفا في فريضة أو في نافلة، خلاف الواحد منا، إذا ثبت هذا، فالذي يدل على صحة ما اخترناه من المذهب، هو أنه تعالى إذا كلف المكلف وكان غرضه بذلك تعريضه إلى درجة الثواب، وعلم أن في مقدوره ما لو فعل به لاختار عنده الواجب واجتنب القبيح فلا بد من أن يفعل به ذلك الفعل، وإلا عاد بالنقض على غرضه، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا أراد من بعض أصدقائه أن يجيبه إلى طعام قد اتخذه، وعلم من حاله أنه لا يجيبه إلى طعام قد اتخذه، وعلم من حاله أنه لا يجيبه إلى طعامه إلا إذا بعث إليه بعض أعزته من ولد أو غيره، فإنه يجب عليه أن يبعث، حتى إذا لم يفعل عاد بالنقض على غرضه، كذلك هاهنا.
  فإن قيل: إن ذلك إنما وجب في الشاهد لأنه يستضر بإنفاق ما أنفق إن لم يجبه صديقه، وهذا غير ثابت في القديم جل وعز.
  وجوابنا، إنا نفرض الكلام فيمن لا يبالي بهذا القدر ولا يقع ذلك في عينه، ونقول: إنه لو استمر به ذلك الداعي ثم لا يفعل ما ذكرناه، فإنه يكون عائدا بالنقض على غرضه، كذلك كان مثله في مسألتنا.
  فإن قيل: لو كان الأمر على ما ذكرتموه، لكان يجب في الواحد منا إذا أراد أن يضيف غيره وعلم من حاله أنه لا يجيبه إلا إذا بعث إليه بقبالات أملاكه أن يجب ذلك عليه، وأيضا فكان يجب إذا قال لعبده: اسقني شربة من ماء أو ناولني هذا الكوز، وعلم من حاله أنه لا يجيبه إلى ذلك إلا إذا مكنه نفسه أو أعتق رقبته أن يجب ذلك عليه، ومعلوم خلافه.
  وجوابنا عن الأول، أن أحدنا إنما يفعل ذلك للنفع والذكر الجميل، أما إذا بلغ الأمر إلى هذا الحد، فإن داعيه يتغير لا محالة ولا يستمر على ذلك، لأن ما يلحقه بذلك من الضرر أضعاف ما كان يرجوه منه من النفع والذكر الجميل، ولا تسمح النفس ببذل الأموال النفيسة في ادخار هذا القدر من الذكر، ولهذا، إن كان يريد ضيافة ملك وعلم أن في ضيافته نفعا يوازي ذلك القدر، فإنه يحسن بل يجب.
  وهكذا الجواب عن الثاني، لأن المولى إذا علم من حاله أنه يموت من العطش إن لم يشرب تلك الشربة، وعلم أنه لا يسقيها إلا إذا أعتقه، فإنه يجب عليه ذلك، وإلا عاد بالنقض على غرضه.