شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الخلاف مع بشر بن المعتمر

صفحة 354 - الجزء 1

  فإن قيل: لو كان كذلك، لكان يجب إذا أراد أحدنا استدعاء جماعة من الكفار إلى الإسلام، وعلم من حالهم أنهم لا يجيبون إلا إذا شاطرهم على ماله أن يجب عليه، وإلا كان عائدا بالنقض على غرضه على ما ذكرتموه في مسألتنا.

  قيل له: إن أحدنا إذا استدعى غيره إلى الإسلام، فإنما يفعل ذلك لاقتناء الذكر الحسن والرئاسة، وربما لا تسمح نفسه ببذل نصف ماله في ذلك، حتى لو قدرنا أن يكون هذا الذي يدعوه إلى الإسلام له أعوان وأتباع يعظم أمر داعيه إلى الإسلام ويفخم شأنه، لكان يجب عليه أن يشاطره على ماله، وإلا عاد على غرضه بالنقد على ما تقدم.

  يبين ما ذكرناه ويوضحه، أنه إذا لم يقصد بدعوة الغير إلى الإسلام هذا الذي ذكرناه، فلا وجه يذكر إلا نفع الغير، وليس يلزمه تحمل المشقة لنفع الغير لأنه ليس بمكلف، وإنما اللّه تعالى هو المكلف الذي لا غرض له في تكليفه إلا نفعه، ففارق أحدهما الآخر.

  ومن خالف في هذه المسألة فقد بنى مذهبه على أصل فاسد، وهو أنه ما من مكلف إلا وفي مقدور اللّه تعالى من اللطف ما لو فعله به لاختار عنده الواجب واجتنب القبيح، فلما وجدنا في المكلفين من أطاع وفيهم من عصى، تبينا أن الألطاف غير واجبة على اللّه تعالى. ونحن قد أفسدنا هذا المذهب في أول المسألة، وبينا أنه لا يمنع أن يعلم اللّه تعالى من حال بعضهم أنه إن فعل به ما فعل فإنه لا يصير لطفا له.

  ولذلك نظير في الشاهد، فإنه لا يمنع أن يكون لأحدنا ولدان، علم من حال أحدهما أنه لو سلك معه طريقة الرفق فإنه يختلف إلى المكتب ويقبل على التعليم ويشتغل بما يريده منه، ويعلم من حال الآخر أنه إن فعل به ما فعل من الرفق والعنف فإنه لا يختار ذلك، كذلك في مسألتنا، ولا يمتنع أن يكون حال المكلفين مع اللّه تعالى هذا الحال.

  ومن أسف ما يتعلقون به في الأصل ويذكرونه في نصرة هذا المذهب، قولهم:

  إنه تعالى قادر لذاته، ومن حق القادر لذاته أن يكون قادرا على سائر أجناس المقدورات، ومن المقدورات الألطاف، فيجب أن يكون قادرا عليها.

  وجوابنا، أن اللطف ليس من أجناس المقدورات حتى إذا كان اللّه تعالى قادرا لذاته وجب قدرته عليه، ففسد ما ظنوه.

  يبين ما ذكرناه. أن اللطف هو ما يختار المرء عنده الواجب ويجتنب القبيح،