شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

إبطال أن كلام الله معنى قائم بذاته

صفحة 362 - الجزء 1

  فإن قيل: ما أنكرتم أن هاهنا طريقا إلى إثبات الكلام، وهو مضادته للخرس والسكوت؟ قلنا: ليس للكلام ضد لا من جنسه ولا من غير جنسه، وبعد، فلو كان الخرس والسكوت يضادان الكلام، لكانا لا يضادان إلا هذا الذي نسمعه نحن وأنتم ولا يعدون ذلك كلاما، ويقال لهم أيضا: إن المرجع بالخرس إلى فساد يلحق آلة الكلام، والسكوت هو أن لا يستعمل آلة الكلام فيه حالة قدرته على استعماله، فلو كان ذلك ضد الكلام لكان لا ينبغي أن يصح من اللّه تعالى خلق الكلام في لسان الأخرس والساكت، وإلا فقد اجتمع الضدان، والمعلوم خلافه، فبطل كلامهم هذا من كل وجه.

  وإذ قد فرغنا من الكلام فيما يتعلق بالمعنى، فإنا نتبع ما يستعملونه من العبارة، ونحصل الكلام عليهم فيها فنقول:

  قولكم: إن الكلام معنى قائم بذاته القديم تعالى يحتمل أمورا، لأن القيام قد يذكر ويراد به الانتصاب، كما يقال: فلان قائم، أي منتصب، وقد يذكر ويراد به الدوام، كقوله: الحي القيوم أي الدائم، وقد يذكر ويراد به الحفظ، كما يقال: السقف قائم بالسارية أي محفوظ به على معنى أنه لولاه لسقط، وقد يذكر ويراد به الحلول، كما يقال: الكون قائم بالمحل، وشيء من ذلك لا يتصور في هذه المسألة، لأن الانتصاب والحلول وغيرهما مما لا يجوز على اللّه تعالى.

  فإن قيل: إنا لا نريد بهذه العبارة شيئا من الأشياء، وإنما نعني بها أنه موجود به. قلنا: إن هذه العبارة أيضا تستعمل في معنيين:

  أحدهما: أنه واقع من جهته وأنه هو الذي فعله، على ما يقال في السماوات والأرض أنها موجودة باللّه.

  والثاني: أنه لولاه لما وجد، كما يقال العرض موجود بمحله، فإن أردتم به الأول، فهو الذي نقوله، إلا أنه يقتضي حدوثه، وإن أردتم به الثاني فلا يصح، لأنه يوجب أن يكون ذلك المعنى قائما بحياة القديم تعالى وبقدرته لا بذاته، وقد عرف خلافه.

  وقد دل بعد هذه الجملة على أن المتكلم هو فاعل الكلام، ليفسد به ما ذهبوا إليه في هذا الباب.