إنكار أن يكون متكلما لأنه أثر في آلته
  قلنا: لأنه لو كان كذلك لكان يجب أن يكون اللسان هو المتكلم، لأن الكلام حله دون غيره، وأن يكون هو المبعوث بالرسالة، المؤدي لها، المستحق المدح والتعظيم عليها، ولكان يجب أن يكون اللسان هو القاذف المستحق الجلد، والمعلوم خلافه، وأيضا، فكان يجب أن يكون اللسان هو الشاعر، لأن الشعر إنما يحله، وذلك يوجب صحة الفعل المحكم وتأتيه ممن ليس بعالم، وقد عرف خلافه.
  وأيضا، فكان يحب أن لا يوجد في العالم متكلم لأن أقل الكلام حرفان، وما من حرف إلا وقد اختص بمخرج مخصوص لا يمكن إخراجه من غير مخرجه فلا يجتمعان والحال ما قلناه في محل واحد حتى يكون ذلك المحل متكلما، وفي ذلك ما قلناه.
إنكار أن يكون متكلما لأنه أثر في آلته
  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المتكلم متكلما لأنه أثر في آلته، على معنى أنه نفي لخرسه وسكوته؟ قلنا: لما قد مر من أن الخرس والسكوت لا يضادان الكلام، بل لا ضد للكلام أصلا.
إنكار أن يكون متكلما لأن الكلام يحتاج إليه
  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المتكلم متكلما لأن الكلام يحتاج إليه؟
  قلنا: إذا كان المتكلم محتاجا إلى الكلام، والكلام محتاجا إلى المتكلم، فقد احتاج كل واحد منهما إلى صاحبه، ووجه الحاجة واحد، وذلك في الاستحالة بمنزلة حاجة الشيء إلى نفسه.
  فإن قيل: لم لا يجوز أن تكون حاجته حاجة التضمين؟ قلنا: لا يجوز ذلك، لأن حاجة الشيء إلى نفسه.
  فإن قيل: لم لا يجوز أن تكون حاجته حاجة التضمين؟ قلنا: لا يجوز ذلك، لأن حاجة التضمين هو أن لا يحصل الذات إلا على صفة، ولا يحصل على تلك الصفة إلا وهو حاصل على صفة أخرى، ولا يحصل على تلك الصفة إلا بمعنى، فيقال: إن ذلك الشيء وجوده مضمن به، كما يقال في الجوهر أنه مضمن بالكون، على معنى أنه لا يوجد إلا وهو متحيز، ولا يكون متحيزا وإلا وهو كائن، ولا يكون كائنا إلا بكون، وهذا مما لا يتصور في الكلام والمتكلم، فلا يصح أن يكون بينهما حاجة التضمين.