إنكار أن يكون متكلما لأن الكلام كلامه إلا إذا قصد أنه فعله
إنكار أن يكون متكلما لأن الكلام موجود به أو قديم بذاته
  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المتكلم متكلما لأن الكلام موجود به أو قديم بذاته؟ قلنا: قد أجبنا عن كلتا العبارتين، ويبينا فسادهما وفساد معانيهما في غير هذا الوضع.
إنكار أن يكون متكلما لأن الكلام كلامه إلا إذا قصد أنه فعله
  قيل: لم لا يجوز أن يكون المتكلم متكلما لأن الكلام كلامه أو كلام له؟
  قلنا: إن هذا يستعمل على وجهين: أحدهما، بمعنى الاتصال والاختصاص، والثاني بمعنى الملك، وأي ذلك كان منهما فإنه لا يتصور في الكلام والمتكلم.
  فإن قيل: إن المراد بقولنا إن الكلام كلامه أو كلام له، أي أنه فعله، قلنا: هذا صريح مذهبنا فلا ننازعكم فيه.
  إذا ثبتت هذه الجملة فاعلم، أن الطريق الذي به يعرف أن الكلام كلام المتكلم طريقان: أحدهما، أن يسمع منه ويعلم وقوفه على دواعيه، والثاني، أن يخبرنا منبئ صادق بذلك، هذا إذا كان الكلام في الشاهد.
  فأما في القديم تعالى، فإنا إنما نعلم أن الكلام كلامه بطريقين: أحدهما أن يكون واقعا على وجه لا يصح وقوعه على ذلك الوجه من القادرين بالقدرة، كأن يوجد في حصاة أو شجرة أو حجر أو غير ذلك. والثاني، كأن يخبرنا نبي صادق، وبهذه الطريقة الأخيرة علمنا أن القرآن كلام اللّه تعالى، لأنه لو لم يخبرنا النبي ﷺ بذلك، ولم يعرف من دينه ضرورة، ولا دل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء: ٨٢] وإلا كنا نجوز أن يكون من جهته ﷺ، لأنه ليس من ضرورة المعجز أن يكون من جهة اللّه تعالى، بل لا يمتنع أن يمكن اللّه نبيه أو غيره، فيظهره على المدعي النبوة إذا كان صادقا، وإنما الذي يجب في المعجز أن يكون ناقصا للعادة خارقا لها.
  وقد ذكر | بعد هذه الجملة، أن هذا الكلام الذي أثبتوه قائما بذات الباري إما أن يثبتوه حالا في اللّه تعالى، فاللّه تعالى يستحيل أن يكون محلا، لأن المحل متحيز، والمتحيز محدث، وقد ثبت قدمه.
  وإما أن يثبتوه موجودا لا في محل، وذلك أيضا محال، فإن حكم الكلام مقصور