شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام في الخلق والمخلوق

صفحة 371 - الجزء 1

  وصفها بأنها مخلوقة ومختلقة، كما يصح وصفها بأنها مصنوعة ومنحولة مع أنه لا يتصور فيه الكذب والصدق، لأن الكذب والصدق لا يدخلان في الأوامر والنواهي وإنما يثبتان في الأخبار وأما قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ١٣٧}⁣[الشعراء: ١٣٧] فليس المراد به الكذب على ما قالوه، وإنما هو قول منكري البعث والنشور، الذين قالوا: هل نحن إلا كالأولين ممن مضى.

  وأما قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ}⁣[ص: ٧] فإنه وإن أراد به الكذب مجازا، فليس يجب أن لا يكون حقيقته ما قد بيناه، وأن لا يوصف به القرآن على المعنى الذي يصح ويسلم.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن الخلق إنما هو إيقاع الفعل على وجه الاختراع على ما يقوله شيوخكم البغداديون ويحكى عن عباد بن سليمان الصيمري؟ قلنا: لما قد تقدم من أنهم كانوا يصفون الفعل المقدر بالغرض والداعي مقدرا مخلوقا، ولهذا كان الحجاج يتمدح: بأني إذا وعدت وفيت، وإذا خلفت فريت.

  وأيضا، فلو كان كما ذكروه لم يصح وصف غير القديم تعالى بذلك، وكان لا يصح قوله تعالى: {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ}⁣[المؤمنون: ١٤] وقد أنكر عباد حين سمع هذه الآية أن يكون المراد به الجمع، وقال: إن الياء والنون زائدتان، وذلك جهل منه باللغة وبمواضع الكلام.

الكلام في الخلق والمخلوق

  ولولوع الناس بالكلام في الخلق والمخلوق، تكلم فيه شيوخنا أيضا.

  فذهب شيخنا أبو علي إلى أن الخلق إنما هو التقدير، والمخلوق هو الفعل المقدر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه، على ما اخترناه، وهو الصحيح من المذهب.

  وأما شيخنا أبو هاشم، وأبو عبد اللّه البصري، فقد ذهبا إلى أن المخلوق مخلوق يخلق، ثم اختلفا:

  فذهب أبو هاشم إلى أن الخلق إنما هو الإرادة.

  وقال أبو عبد اللّه البصري: بل هو الفكر، وقال: لولا ورود السمع والأذن بإطلاق هذه اللفظة على اللّه تعالى، وإلا ما كنا نجوز إطلاقها عليه تعالى عقلا.