شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام في الخلق والمخلوق

صفحة 372 - الجزء 1

  وحجته في هذا الباب قول زهير:

  ولأنت تفرى ما خلقت ... وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى

  قالا: أثبت الخلق ونفى الفرى، فدل على أن الخلق معنى على ما نقوله.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذا غير جائز على مذهبهما، لأن أبا هاشم لا يجوز أن يحصل الخلق ولا يحصل المخلوق، وهكذا فإن أبا عبد اللّه لا يجوز حصول الفكر ثم لا يحصل الفعل. فإذا إن دل ما أوردوه على فساد ما اخترناه، ليدلن على فساد ما ذكروه، على أنا قد بينا أن مراد زهير بذلك، أنك تقطع ما تقدر وفي الناس من هو بخلاف ذلك، فلا مطعن على كلامنا.

  ونعود بعد هذه الجملة إلى تمام الأدلة الدالة على أن كلام اللّه تعالى لا يجوز أن يكون قديما.

  فمن جملة ما يدل على ذلك، هو أنه لو كان كلام اللّه تعالى قديما لوجب أن يكون مثلا للّه تعالى لأن القدم صفة من صفات النفس، والاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب التماثل، ولا مثل للّه تعالى.

  وأيضا، فلو كان قديما، لوجب أن يكون عالما لذاته، قادرا لذاته، كالقديم تعالى سواء، لما قد ذكرناه فيما قبل أن الاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب الاشتراك في سائر صفات النفس، ومعلوم خلافه.

  وأيا، فإن العدم مستحيل على القديم تعالى، فلو كان الكلام قديما لما جاز أن يعدم، ومعلوم أنه لا يمكن وقوعه على حد يعاد به، إلا إذا وجد حرف عند عدم حرف، يبين ما ذكرناه ويوضحه، أن أحدنا إذا قال: الحمد للّه فإنه لا بد من أن يقوم حال وجود اللام الهمزة، وحال وجود الحاء اللام، وحال وجود الميم والدال اللام والحاء، حتى لا يلتبس الحمد بالمدح، والمدح بالدمح، ومعلوم أن ما هذا سبيله لا يجوز أن يكون قديما.

  وأيضا، فإن كلامه ø لا يخلو، إما أن يكون مثلا لكلامنا، أولا. فإن كان مثلا لكلامنا، فلا يجوز أن يكون قديما، لأن المثلين لا يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث. وإذا كان مخالفا لكلامنا فلا يعقل، لأن الكلام هو هذا الذي نسمعه، فلو جاز أن يكون في الغائب كلام مخالف لا نسمعه فيما بيننا، لجاز أن يكون هناك لون آخر مخالف لهذه الألوان، ولجاز أن يكون هناك معان آخر قديمة مخالفة لهذه