فصل آخر
  يجب أن لا يتغير الحال في هذه الأعمال، أن لو كانت ألطافا ومصالح، وأن تكون مستحسنة أبدا غير مستقبحة في شيء من الحالات، كما في رد الوديعة وشكر النعمة، وقضاء الدين، وكما في الظلم والكذب، وما جرى مجراهما، وفي علمنا بخلاف ذلك دلالة على فساد ما ظننتموه، لأن قياس هذه الأفعال على رد الوديعة وغير ذلك مما لا وجه له، لأن هذه الأفعال لا تفارقها وجوه الحسن والقبح بخلاف ما نحن فيه، ففارق الحال في أحدهما الحال في الآخر.
  ثم إنه | بين حقيقة الرسول والنبي، ولا بد من ذلك.
  اعلم أن الرسول، من الألفاظ المتعدية أي لا بد من أن يكون هناك مرسل ومرسل إليه، وإذا أطلق فلا ينصرف إلا إلى المبعوث من جهة اللّه تعالى دون غيره، حتى إذا أردت غير ذلك فلا بد من أن تقيد.
  وأما النبي، فقد يكون مهموزا ومشددا، وإذا كأم مهموزا فهو من الإنباء، وهو الإخبار، وإذا وصف به الرسول، فالمراد به أنه المبعوث من جهة اللّه تعالى، وإذا كان مشددا فإنه يكون من النباوة وهو الرفعة والجلالة، وإذا وصف به المبعوث فالمراد به أنه المعظم الذي رفعه اللّه تعالى وعظمه. وفي الخبر أن بعضهم قال للرسول # يا نبيء اللّه مهموزا فقال له الرسول: لست نبيء اللّه وإنما أنا نبيّ اللّه.
  وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أنه لا فرق في الاصطلاح بين الرسول والنبي، وقد خالف في ذلك بعضهم، واستدل بقوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ}[الحج: ٥٢] قالوا: فصل القديم تعالى بين الرسول والنبي، فيجب أن يكون أحدهما غير الآخر، والذي يدل على اتفاق الكلمتين في المعنى هو أنهما يثبتان معا ويزولان معا في الاستعمال، حتى لو أثبت أحدهما ونفى الآخر لتناقض الكلام، وهذا هو أمارة إثبات كلتي اللفظين المتفقتين في الفائدة، وأما قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} فإنه لا يدل على ما ذكروه، لأن مجرد الفعل لا يدل على اختلاف الجنسين، ألا ترى أنه تعالى فصل بين نبينا وغيره من الأنبياء ثم لا يدل على أن نبينا ليس من الأنبياء، وكذلك فإنه تعالى فصل بين الفاكهة وبين النخل والرمان، ولم يدل على أن النخل والرمان ليسا من الفاكهة، كذلك هاهنا.