شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ترك العرب معارضة القرآن

صفحة 399 - الجزء 1

  أن مادته لا تنقطع بالمعارضة وأمره لا ينتهي بها، وأن الخلاف يبقى ولا يزول، والناس يكونون بعد المعارضة بين رجلين: رجل له، ورجل عليه، فهذا يقول:

  المعارضة أفصح، وذا يقول: القرآن أفصح، فتطول المنازعة ولا تنقطع، فلهذا لم يشتغلوا بالمعارضة، وعدلوا عنها إلى المحاربة.

  قيل لهم: إن هذه الطريقة، إن صرفت عن معارضة القرآن، فلتصرفن عن سائر المعارضات لشمولها أجمع، وذلك يوجب أن لا يوجد في كلامهم معارضة، والمعلوم من عاداتهم خلافه، فلم يقل علقمة: إذا اشتغلت بمعارضة امرئ القيس كان الناس بين متعصب لي ومتعصب عليّ، فيكون حالي وقد عارضت كلامه كحالي ولم أعارض كلامه، وهكذا الحال في غيرهما من الشعراء الذين قد اشتغلوا بهذه الطريقة.

  فإن قيل: لا يخلو حال المعارضة، إما أن تكون مثل القرآن، أو فوقه، أو دونه، وإذا كانت مثله كان للخصم أن يقول: هذه حكاية القرآن وليس من المعارضة بسبيل، وإن كانت فوقه أو دونه كان للخصم أن يشغب فيها ويقول: لا بل الفوقية ثابتة للقرآن لا لها، فكيف تجعل ذلك معارضة، فلا ينقطع التشاجر والمنازعة، ولا بد في آخر الأمر من الرجوع إلى ما بدأ به من المحاربة والإضراب عن المعارضة.

  قيل: ليس يجب في المعارضة أن تكون مثل ما تحصل المعارضة معارضة له، ولا أن تكون فوقه، بل إذا قاربه وداناه بحيث يلتبس الحال فيه كفى، وبعد معارضته اعتبر ذلك بسائر المعارضات، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ وعلى أن هذه الطريقة تسد باب المعارضات أصلا، وذلك كما لا وجه له.

  فإن قيل: فإذا تركوا المعارضة مع إمكانها أو عدلوا إلى المحاربة، فليس إلا أن يحكم بأنهم أخطوا في العدول عن عبادة اللّه تعالى إلى عبادة الأصنام، فلا يكون فيما ذكرتموه دلالة على أنهم إنما تركوا معارضة القرآن للعجز لا غير.

  قيل له: ليس هذا من الباب الذي قستم عليه بسبيل، فإن ذلك أمر يستدرك بطريقة الاستدلال والاستنباط، وليس كذلك حال المعارضة فإنه ضروري لا يتصور فيه الخطأ، ففسد ما ظننتموه.

  فإن قيل: إنما تركوا معارضة القرآن لأنه كان مشتملا على أقاصيص لم يعرفوها ولا عرفوا أمثالها حتى يجعلوها معارضة للقرآن على السبيل الذي ذكرتموه، فلذلك امتنعوا عن المعارضة، لا لأجل العجز.