شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الخلاف بين الشيخين في الموازنة:

صفحة 425 - الجزء 1

  حالهما بعد ذلك.

  وبهذه الطريقة نجيب عن قول أبي علي، أي كيف يقع الإحباط والتفكير بين المستحقين، وهما معدومان لا يصح أن يؤثر أحدهما في الآخر؟ فنقول: إنا إذا قلنا إن الأقل يسقط بالأكثر، فإن الأكثر يؤثر فيه، فلسنا نعنى به إلا أنه لا يحسن من اللّه تعالى فعله بالمكلفين بعد ما ما كان حسنا، لا أن هناك تأثير مثل تأثير العلة في المعلول، أو السبب في المسبب، فيسقط ما تعلق به، ويسلم ما اختاره أبو هاشم.

الخلاف بين الشيخين في الموازنة:

  وهنا موضع آخر وقع فيه الخلاف بينهما، وهو الكلام في الموازنة، فإن أبا علي ينكره، وأبا هاشم يثبته ويقول به، وصورته أن يأتي المكلف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب، وبمعصية استحق عليها عشرين جزءا من العقاب، فمن مذهب أبي علي أنه يحسن من اللّه تعالى أن يفعل به في كل وقت عشرين جزءا من العقاب، ولا يثبت لما كان قد استحقه على الطاعة التي أتى بها تأثير، بعد ما ازداد عقابه عليه. وقال أبو هاشم: لا، بل يقبح من اللّه تعالى ذلك ولا يحسن منه أن يفعل به من العقاب إلا عشرة أجزاء، فأما العشرة الأخرى فإنها تسقط بالثواب الذي قد استحقه على ما أتي به من الطاعة، وهذا هو الصحيح من المذهب، ولعمري إنه القول اللائق باللّه تعالى دون ما يقول أبو علي، والذي يدل على صحته هو أن المكلف أتى بالطاعات على الحد الذي أمر به، وعلى الحد الذي لو أتى بها منفردا عن المعصية لكان يستحق عليها الثواب، فيجب أن يستحق عليها الثواب وإن دنسها بالمعصية، إلا أنه لا يمكن والحالة هذه أن يوفر عليه على الحد الذي يستحقه لاستحالته، فلا بد من أن يزول من العقاب بمقداره، لأن دفع المضرة كالنفع في أنه مما يعد في المنافع، وعلى هذا يصح قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}.

  فأما على مذهب أبي علي، يلزم أن لا يكون قد رأى صاحب الكبيرة شيئا مما أتى به من الطاعات، وقد نص اللّه تعالى على خلافه. ومتى قيل: فكيف لم يثبه أن لو كان الأمر على ما يظنونه، قلنا: لما قد ذكرنا من أن إثابته غير ممكن ولا متصور.

  وأما شيخنا أبو علي، فقد تعلق في ذلك بوجوه: أحدها، هو أن الفاسق بإقدامه على المعاصي وارتكابه الكبائر قد جنى على نفسه. وأخرجها من أن تستحق الثواب