شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل

صفحة 427 - الجزء 1

  وهذا غير ثابت في العقاب، وتأثيره في الثواب فإنه إنما يؤثر في إزالته بطريقة المقابلة على الحد الذي كشفناه، فهذه جملة ما ذكروه في هذه المسألة.

فصل

  واتصل بهذه الجملة الكلام في الصغيرة والكبيرة، وما يتعلق بهما لأننا إذا قلنا:

  إن ما يستحقه المرء على الكبيرة من العقاب يحبط ثواب طاعاته، وما يستحقه على الصغيرة مكفر في جنب ماله من الثواب لم يكن بد من بيان معنى الكبيرة والصغيرة.

  وجملة ذلك، أن الكبيرة في عرف الشرع هو ما يكون عقاب فاعله أكثر من ثوابه إما محققا وإما مقدرا. وقد يستعمل ذلك على وجهين آخرين لا نذكرهما هاهنا، فليس المقصود هاهنا إلا ما ذكرناه.

  وأما الصغيرة، فهو ما يكون ثواب فاعله أكثر من عقابه، إما محققا وإما مقدرا، واحترزنا في الموضعين بقولنا: إما محققا وإما مقدرا عن الكافر ومن لم يطع البتة، فإنه قد وقع في أفعاله الصغيرة والكبيرة، على معنى أنه لو كان له ثواب لكان يكون محبطا بما ارتكبه من المعصية، أو يكون عقاب ما أتى به من الصغيرة مكفرا في جنب ما يستحقه من الثواب.

  وقد أنكرت الخوارج أن يكون في المعاصي صغيرة، وحكمت بأن الكل كبيرة.

الخلاف بين أبي علي وأبي هاشم حول العلم باشتمال المعاصي على صغير وكبير:

  ولا خلاف في ذلك بين شيخنا أبي علي وأبي هاشم، وإنما الخلاف بينهما في هل يعلم عقلا اشتمال المعاصي على صغير وكبير أولا يعلم ذلك إلا شرعا.

  فذهب أبو علي إلى أن ذلك لا يعلم إلا شرعا، وقال: لو خلينا وقضية العقل لكنا نحكم بأن المعاصي كلها كبائر، فمعلوم أن أقل قليل المعاصي يستحق عليها جزءان من العقاب، وأقل قليل الطاعات يستحق عليها جزءا واحدا من الثواب ذلك لما للقديم تعالى علينا من النعم، ويجعل ذلك أحد الوجوه التي تعظم المعصية لأجلها، ويشبه ذلك بإساءة الولد إلى الوالد الشفيق البار، قال: فكما أن ذلك أعظم من الإساءة إلى الأجنبي، كذلك الحال هاهنا، فإن قيل: وما تلك الدلالة الشرعية التي دلتكم على أن في المعاصي ما هو كبير