شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مناقشة حول الاستثناء والعموم والخصوص:

صفحة 442 - الجزء 1

  والاستغراق، غير أن الذي يصح ذلك فيه إنما هو اسم الجمع المعرف بالألف واللام، إذا لم تكن اللام فيه لتعريف العهد دون قوله: رأيت رجالا، فمعلوم أنه لا يصح فيه الاستثناء، فلا يقول القائل: رأيت رجالا إلا زيدا، لما لم يجب أن يكون قوله رجالا شاملا له لا محالة، اللهم إلا إذا أراد استئناف العقبة، فيكون استثناؤه من تقدير، لكن لا يكون حينئذ استثناء حقيقيا.

  دليل آخر، وأحد ما يدل على أن في اللغة لفظة موضوعة للعموم والاستغراق، هو أن «من» إذا وقعت نكرة في الاستفهام أفادت العموم، ولهذا نص أهل اللغة على أن قول القائل من عندك بمنزلة قولهم: أزيد عندك، أبكر، أخالد، حتى يأتي على جميع العقلاء، فلو لا كونه موضوعا للعموم والاستغراق، وإلا كان لا يقوم هذا المقام على ما ذكرناه. فصح قول أبي هاشم، إن أهل العربية لما استطاعوا الاستفهام باسم الجمع، أقاموا قولهم من عندك مقامه حتى لا يحتاجوا إلى تعداد الأسماء.

  فهذا وجه يدلك على أن «من» إذا وقعت نكرة في الاستفهام أفادت العموم والاستغراق.

  ويدل على ذلك أيضا، أن للمجيب أن يجيب بذكر جماعة العقلاء، كما أن له أن يجيب بذكر آحادهم، فلو لا أن السؤال مشتملا عليهم بأجمعهم، ومتناولا لهم كلهم، وإلا كان لا يكون الجواب مطابقا للسؤال إلا إذا أجاب بذكر الجماعة، ويجري ذلك مجرى أن يجيب بالحمار والفرس في أنه لا يصح، لما لم يكن السؤال متناولا له، وفي علمنا بخلافه دليل على صحة ما قلناه.

  فإن قيل: هذا الذي ذكرتموه دليل لنا، ولولا أن هذه اللفظة من الألفاظ المشتركة التي يحتمل أن يراد بها الخصوص كما يحتمل أن يراد بها العموم، وإلا لم يكن للمجيب أن يجيب إلا بذكر الجماعة، فلما كان له أن يجيب بذكر الجماعة مرة وبذكر فريق دون فريق أخرى، دل ذلك على أنه محتمل للخصوص احتماله للعموم. قالوا:

  ومما يؤكد هذه الجملة، أن قول القائل: أكل الناس عندك؟ لما كان مستغرقا عاما، لم يجز أن يذكر في جوابه الآحاد، بل وجب أن يجاب إما بذكر الكل أو بنفي الكل، كذا كان يجب مثله في هذا المكان.

  قيل له: إنا لم نستدل إلا بالسؤال، وقلنا: لولا شموله للكل، واشتماله على الجميع، وإلا كان لا يصح أن يجيب مرة بذكر الآحاد ومرة بذكر الجماعة، كما أنه