شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مناقشة حول الاستثناء والعموم والخصوص:

صفحة 448 - الجزء 1

  وطريقة الاستدلال بالكل والاعتراض عليها، ما نبهنا عليه، فلا نطول به الكلام.

  فإن قيل: ألستم أخرجتم التائب وصاحب الصغيرة عن هذه، وقلتم: إن الشرط ألا يكون مع العاصي توبة أو طاعة أعظم من معصية، حتى يدخل تحت هذه العمومات، فهلا جاز لنا أن نقول: إن الشرط في ذلك أيضا أن لا يسقط اللّه تعالى عنه العقوبة ولا يغفر ذنبه، فأما إذا أسقط عنه العقوبة وغفر له ذنبه فإنه لا يدخل تحت هذه العمومات، ومتى أجبتم إلى ذلك، ومعلوم أن القديم تعالى يحسن منه التفضل بالعفو والإسقاط، لم يمكنكم القطع على أن العصاة وأصحاب الكبائر يدخلون تحت هذه العمومات، وأنهم يعاقبون لا محالة.

  قيل له: إن ما اعتبرناه من الشروط شروطا، اقتضته الدلالة وقامت عليها الحجة، وليس كذلك الحال فيما ذكرتموه، فإن ذلك لا ينبئ عنه الظاهر ولا تقتضيه دلالة، فلا يجوز إثباته بوجه.

  وبعد، فإن فيما ذكرتموه إخلاء كلام اللّه تعالى عن الفائدة، وحملا له على ما يقتضيه مجرد العقل، ومهما أمكن حمله على فائدة مستجدة معلومة بالشرع فذلك هو الواجب.

  وبعد، فإن القديم تعالى إذا توعد العصاة فإنما يتوعدهم بالعقاب الحسن، ولا يجسن معاقبة التائب وصاحب الصغيرة، فلهذا أخرجا من عمومات الوعيد، وليس كذلك الحال في صاحب الكبيرة، فإنه عقابه يحسن، وجواز أن يتفضل بالإسقاط لا يخرج العقاب من أن يكون حسنا، بخلاف التوبة، وبخلاف ما إذا كانت طاعاته أعظم من معاصيه، ففارق أحدهما الآخر.

  وأيضا فإن ما ذكرته يقتضي أن يكون الشيء مشروطا بنفسه، لأنك إذا جعلت الشرط في أن يفعل اللّه العقوبة بالفاسق أن لا يعفو عنه ولا يغفر لذنبه، ومعلوم أن المرجع بأن لا يعفو عنه إلى فعل العقوبة، فقد شرطت الشيء بنفسه، والشيء لا يجوز أن يجعل شرطا في نفسه.

  وبعد، فإن هذا إن أوجب التوقف في وعيد الفساق، فليوجبن التوقف في وعيد الكفار، لأن حسن التفضل بالعفو والإسقاط ثابت في حق الكافر ثباته في حق الفاسق، فيلزمهم أن يتوقفوا في وعيد الكفار، ومن توقف في ذلك فقد انسلخ عن الدين.

  فإن قيل: إنما قطعنا على وعيد الكفار ولم نتوقف فيه لأن ذلك معلوم من دين