أدلة المرجئة:
  وجوابنا، أن هذا الخبر لم تثبت صحته، ولو صح فإنه منقول بطريق الآحاد، وخبر الواحد مما لا يوجب القطع، ومسألتنا طريقها العلم فلا يمكن الاحتجاج به.
  فإن قيل: كيف يمكن ادعاء أن هذا الخبر منقول بطريق الآحاد، ومعلوم أن المرجئة على كثرتهم ينقلونه، ويستدلون به على أن الفاسق لا يخلد في النار أبدا، ويخرج منها.
  قيل له: إن كثرة نقلة الخبر في الطريق الأخير مما لا اعتبار به، بل لا بد من أن يستوي طرفاه ووسطه، ففسد هذا الكلام.
  ثم إنا نعارضهم بأخبار رويت عن النبي ﷺ في هذا الباب، من جملتها قوله ﷺ:
  «لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا نمام ولا عاق» وهذا يدفع ما احتجوا به في المسألة، ومن ذلك ما روي عن النبي ﷺ أنه قال: «من تردى من جبل فهو يتردى من جبل في نار جهنم خالدا مخلدا» ومن ذلك قوله ﷺ: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدا أبدا» أو قوله أيضا: «من يحتسي سما يحتسي سما في نار جهنم خالدا أبدا» إلى غير ذلك من الأخبار المروية في هذا الباب.
  ولئن أمكن ادعاء التواتر في الخبر الذي أورده ليتمكن به في هذه الأخبار فإن الحال فيها أظهر، ونقلها أكثر.
  إنا نتأول هذا الخبر الذي أورده على وجه يوافق الأدلة، فنقول: إن المراد:
  يخرج من النار، أي يخرج من عمل أهل النار قوم، ونظير ذلك موجود في كلام اللّه تعالى وكلام رسوله ﷺ.
  أما من كتاب اللّه تعالى، فقوله تعالى: {وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها} يعني على عمل من استحق ذلك.
  وأما من كلام الرسول #، فهو أنه مرّ بمؤذن يؤذن ويقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه، فقال: على الفطرة، فقال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول اللّه، فقال ﷺ:
  خرج من النار، أي من عمل أهل النار، كذلك الحال هاهنا، ولا يجوز غير ما ذكرناه.
  ومما يتعلق به المرجئة قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ١٠٦ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ}[هود: ١٠٦ - ١٠٧] وتعلقهم بهذه الآية على بعدها من وجهين: أحدهما هو أنه علق دوام عقاب الأشقياء بدوام