شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فائدة الشفاعة وموضوعها

صفحة 466 - الجزء 1

  ولا ثوب إلا مقدار ما قد استحقه بالتوبة، فيه حاجة إلى نفع التفضل عليه. فإن قالوا:

  إن ذلك شيء قد وعده اللّه به حيث يقول: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} فلا يثبت للشفاعة والحال ما ذكرتموه تأثير.

  قلنا: إنه تعالى لم يذكر أنه يزيدهم من فضله دون شفاعة النبي ص، فلا يمتنع تجويز أن يكون التفضل هو هذا الذي قد وعد به، بل لا يمنع أن يتفضل عليهم نوعا آخر من التفضل، ففضله أوسع مما يظنونه. وقد قال أبو الهذيل: إن الشفاعة إنما ثبتت لأصحاب الصغائر وذلك لا يصح، لأن الصغائر تقع مكفرة في جنب الطاعات.

  فإن قيل: إن النبي ص يشفع ليعاد ما قد انحبط بصغيرته من الثواب.

  قيل له: إن ذلك قد انحبط وبطل وخرج من أن يستحق، فكيف يصح عوده بالشفاعة؟ ثم يقال لهؤلاء المرجئة: أليس أن الأمة اتفقت على قولهم: اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة، فلو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون هذا الدعاء دعاء لأن يجعلهم اللّه تعالى من الفساق وذلك خلف.

  فإن قالوا: أليس أن الأمة قد اتفقت على هذا فقد اتفقت على قولهم: اللهم اجعلنا من التوابين ومن أهل التوبة، ثم لم يلزم أن يكون هذا الدعاء لأن يجعلهم فساقا ملعونين، فهلا جاز مثله هاهنا؟

  قلنا: إن بين الموضعين فرقا عندكم أن الشفاعة لا تصح ولا يثبت لها معنى إلا للفساق، فسؤال اللّه تعالى ودعاؤه حتى يجعله من أهل الشفاعة دعاء له حتى يجعله من أهل الفسوق، وليس كذلك الحال في قولنا اللهم اجعلنا من التوابين ومن أهل التوبة، لأن هذا القول يحسن من أصحاب الصغائر والكبائر جميعا، حتى يحسن من الأنبياء.

  وأيضا، فما من شيء نفعله من المباحات إلا ويجوز أن يقع فيها ما هو معصية، وإذا كان ذلك مجوزا، حسن منا الدعاء بهذه الدعوة، ولم يتضمن الدعاء بأن يجعلنا اللّه تعالى من المتعاطين للأفعال القبيحة والمخلين بالواجبات، فقد ذكرنا أن التوبة قد تحسن عما لا يقبح أصلا، وليس هكذا حال الشفاعة عندكم، فإن النبي لا بد من أن يعلم أنه إن لم يشفع له، عاقبه اللّه تعالى بما ارتكبه من الكبائر.

  على أن غرض الأمة بهذه الدعوة لو ثبت اتفاقهم عليها، أن يسهل اللّه لهم السبيل إلى التوبة بالألطاف أو ما يجري مجراها لما هو غرضهم بتلك الدعوة، ولا يمكنهم أن يكيلوا علينا بهذا الكيل، فالمرء ما لم يكن من أهل الكبيرة لا تحسن