فائدة الشفاعة وموضوعها
  وجملة ذلك أن فائدة الشفاعة رفع مرتبة الشفيع، والدلالة على منزلته من المشفوع.
  وأما موضوعها فقد اختلف الناس فيه، فعندنا أن موضوع الشفاعة هو لكي يصل المشفوع له إلى حاجته، ثم أن حاجته، إما أن تكون نفعا يناله من مال وحشمة وتمييز وخلعة، أو ضرر يدفع عنه.
  وقد خالف في ذلك المرجئة، وقالت: إن موضوعها إنما هو لدفع الضرر عن المشفوع له لا غير، وذلك ظاهر الفساد، فإن الوزير مثلا كما يشفع إلى السلطان ليزيل عن حاجب من حجابه الضرر، فقد يشفع ليخلع عليه ويميزه من الحجاب، ففسد ما ظنوه.
  ومتى قيل: إن الشفاعة التي هذه سبيلها ترجع إلى ما ذكرناه، فإن الحاجب لو لم يستضر بانحطاط رتبته لكان لا يكون للشفاعة في رفع مرتبته وتميزه عن غيره معنى.
  قلنا: إن هذا تعسف ولا وجه له، بل لو جعل الأصل في هذا الباب النفع، ويرجع بدفع الضرر إليه، لكان أولى وأوجب.
  فحصل لك بهذه الجملة العلم بأن الشفاعة ثابتة للمؤمنين دون الفساق من أهل الصلاة، خلاف ما تقوله المرجئة.
  وقد تعلقوا في ذلك بما روي عن النبي ﷺ أنه قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» وقالوا: إن النبي ﷺ قد نص على صريح ما ذهبنا إليه.
  والجواب: أن هذا الخبر لم تثبت صحته أولا، ولو صح فإنه منقول بطريق الآحاد عن النبي، ومسألتنا طريقها العلم، فلا يصح الاحتجاج به.
  ثم إنه معارض بأخبار رويت عن النبي ﷺ في باب الوعيد، نحو قوله: «لا يدخل الجنة نمام ولا مدمن خمر ولا عاق» وقوله: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا» إلى غير ذلك، فليس بأن يوجد بما أوردوه أولى من أن يوجد بما رويناه، فيجب اطراحهما جميعا، أو حمل أحدهما على الآخر، فنحمله على ما يقتضيه كتاب اللّه وسنة رسوله، ونقول: المراد به شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي إذا تابوا. ومتى قالوا: إن التائب في غنى عن الشفاعة ولا فائدة فيها، قلنا ليس كذلك، فإن ما استحق التائب من الثواب قد انحبط بارتكابه الكبيرة،