شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصلان 1 - الفاسق لا يسمى مؤمنا خلافا للمرجئة: 2 - ولا يسمى كافرا خلافا للخوارج:

صفحة 477 - الجزء 1

  مسلمين حقيقة وقد عرف خلاف ذلك، ولكان يجب أيضا أن لا يزول هذا الاسم بالندم وغيره وقد عرف خلافه.

  ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} الآية، سمى هذه الجمل دينا، ثم بين في آية أخرى أن الدين عند اللّه الإسلام، ولو كان مبقي على أصل اللغة لم يصح ذلك لأنه في الأصل غير مستعمل في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا كما يدل على أنه غير مبقي على الأصل فإنه يدل على أنه لا يجوز إجراؤه إلا على من يستحق المدح والتعظيم كالمؤمن سواء.

  ومما يدل على أن الدين والإسلام واحد، قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} والمعلوم أنه لو اتخذ الإيمان دينا لقبل منه.

  ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٣٥ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٣٦} فلو لم يكن أحدهما هو الآخر، لكان لا يصح الاستثناء على هذا الوجه.

  ومما يدل على ذلك، أخبار رويت عن النبي ، من جملتها قوله: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت اللّه» وفي بعض الروايات، والعمرة. ومن ذلك قوله: «الإسلام بضع وسبعون بابا أعلاه شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق» والذي يدل على أن اسم المسلم صار بالشرع اسما لمن يستحق المدح والتعظيم كالمؤمن، هو أنه لم يذكره إلا وقد قرن إليه من يدل على أنه مستحق للمدح، قال اللّه تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ} وقال تعالى: {عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ}.

  وقد خالفنا في ذلك بعض الناس، وفرق بين المؤمن والمسلم، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا} فاللّه تعالى فصل بين الإيمان والإسلام، فلو كانا جميعا بمعنى واحد لم يكن للفصل بينهما وجه.

  وجوابنا عن ذلك، أكثر ما فيه أنه تعالى استعمل الإسلام في هذا الموضع على الحد الذي يستعمله أهل اللغة مجازا، ونحن لا نمنع من وجود المجاز في كتاب اللّه تعالى، فصار الحال فيه كالحال في المؤمن فقد استعمله اللّه كثيرا في كتابه وأراد به ما وضع له في الأصل، نحو قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى غير ذلك