شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

نطق الجوارح:

صفحة 503 - الجزء 1

  الأصل الخامس وهو الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان من حقنا أن نذكر حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غير أنا قد قدمناها في أول الكتاب فلا نعيدها هاهنا.

  وجملة ما نقوله في هذا الموضع، أنه لا خلاف بين الأمة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا ما يحكى عن شرذمة من الإمامية لا يقع بهم وبكلامهم اعتداد. والذي يدل على ذلك بعد الإجماع قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}⁣[آل عمران: ١٨٠] الآية وقوله تعالى حاكيا عن لقمان: {يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ومما يدل على ذلك مما روي عن النبي أنه قال:

  «ليس لعين ترى اللّه يعصي فتطرف حتى تغير أو تنتقل».

  والغرض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يضيع المعروف ولا يقع المنكر، فمتى حصل هذا الغرض بالأمر السهل لا يجوز العدول عنه إلى الأمر الصعب، وهذا مقرر في العقول، وإلى هذا أشار تعالى بقوله: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ}، الآية، فبدأ أولا بإصلاح ذات البين، ثم بالمقاتلة إن لم يرتفع الغرض إلا بها حسب ما ذكرناه.

  ولا خلاف في هذه الجملة بين شيخنا أبي علي وأبي هاشم، وإنما الخلاف بينهما في أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعلم عقلا أو شرعا؟.

  فذهب أبو علي إلى أن ذلك يعلم عقلا.

  وقال أبو هاشم: بل لا يعلم عقلا إلا في موضع واحد، وهو أن يرى أحدنا غيره يظلم أحدا فيلحقه بذلك غم، فإنه يجب عليه النهي ودفعه دفعا لذلك الضرر الذي لحقه من الغم عن نفسه، فأما فيما عدا هذا الموضع فلا يجب إلا شرعا، وهو الصحيح من المذهب.

  والذي يدل على أن ذلك مما لا سبيل إلى وجوبه من جهة العقل إلا في الموضع