شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

تعيين الإمام: وأما الفصل الخامس

صفحة 515 - الجزء 1

  أصحابه. فإن أراد به الأول، فالفرق بينه وبين الإمامية هو من الوجه الذي ذكرته، ولأجل ذلك لا يجب في الإمام أن يكون معصوما وأوجبت الإمامية ذلك، وإن أراد الثاني، فالفرق بينه وبين الإمامية ظاهر، لأنهم يقولون إن الإمام لطف في الدين كمعرفة اللّه بتوحيده وعدله وغير ذلك من الألطاف، وهو لا يقول به.

  والذي يدل على فساد مقالتهم، هو أنه لو كان العلم بوجوب وجود الإمام عقليا، لكان لا بد من أن تكون الحاجة إلى الإمام أيضا في العقليات، ومعلوم أن الإمام إنما يحتاج إليه لتنفيذ الأحكام الشرعية، فكيف يصح أن تعلم الحاجة إليه عقلا.

  فإن قيل: هلا جاز أن يحتاج إلى الإمام في العقليات؟ قلنا: إنه لو احتيج إليه في ذلك لكان لا تخلو الحاجة إليه من أن تكون لمنافع دينية أو دنياوية.

  ولم يجز أن تكون الحاجة إليه للمنافع الدنياوية، كأن يقال يحتاج إليه لتعرف من جهته الأغذية من السمومات وما يضر مما ينفع، فإن ذلك مما يمكن معرفته بالسير والأخبار، ولذلك يشترك في معرفته العقلاء وغير العقلاء من البهائم ونحوها، ولأن ذلك يمكن أن يعرف من واحد فلا يحتاج إلى غيره فيقدح في حاجة الناس إلى الإمام في سائر الأزمان.

  وإذا قيل بالحاجة إليه للمنافع الدينية فلا يخلو: إما أن يحتاج إليه في التكاليف العقلية أو السمعية، فإن احتيج إليه في التكاليف العقلية لم يجز وإلا احتاج الإمام إلى إمام آخر، والكلام في ذلك الإمام كالكلام فيه فيتسلسل، ولأنه لا يحتاج في شيء من التكاليف العقلية إلا إلى الأقدار والتمكين وإزاحة العلة بالألطاف، ولا تأثير للإمام في شيء من ذلك بل حاله وحال غيره في هذه الأمور على سواء.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن له مزية على غيره من حيث يتعلق بوجوده لطف للمكلف.

  قلنا: إذا قيل بوجوده لطف للمكلفين وصلاحهم، فإن المراد أن يؤدي عليهم عن اللّه تعالى ما فيه صلاحهم أو يقوم بمصالحهم، وأي ذلك من هذين الأمرين فلاحظ للإمام فيه.

  وبعد، فلا يكون ذلك كذلك إلا والطريق إليه الشرع وفي ذلك ما نقوله.

  فإن قيل: إن وجود الإمام لطف من وجه آخر، وهو أن الناس يطيعون اللّه تعالى ويتجنبون المعاصي انقيادا لأمره واتباعا له وانخراطا في سلك طاعته، قلنا: إن ذلك مما لا نعلمه من حال جميع الناس، بل في الآدميين من إذا ولي عليه غيره كان ذلك