شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الاستدلال بالأعراض على الله

صفحة 53 - الجزء 1

  ومن جملتها، حركة المرتعش والعروق الضوارب، فإنه يمكن الاستدلال بها على اللّه تعالى مع أنه لا يدخل جنسها تحت مقدورنا. ووجه الاستدلال بها، هو أنها لا تخلو؛ إما أن تكون من فعلنا، أو من فعل أمثالنا لما قد ذكرنا أن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا بالاعتماد، ونحن لا نحس باعتماد معتمد علينا.

  ومن جملتها، الألم الزائد عند لسع الزنبور والعقرب، ووجه الاستدلال به على اللّه تعالى، هو أن مثل هذا القدر لو وجد من أقوى القادرين بالقدرة لكان لا يتولد منه مثل هذه الآلام، فلا بد من أن تكون من فعل فاعل مخالف لنا وهو اللّه تعالى.

  ومتى شغب مشغب فقال: لم لا يجوز أن يوجد من فعل بعض القادرين بالقدرة أكوان تتولد منها مثل هذه الآلام؟ كان الجواب عنه أن يقال: إن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا بالاعتماد، ونحن لا نحس باعتماد معتمد علينا.

  ومن جملتها، الكلام الموجود في الحصى والشجر، فإن القادر بالضرورة لا يمكنه أن يفعل الكلام إلا بهذه الآلة المخصوصة أو ما يتشكل بشكلها، فعلى هذه الطريقة يجري الكلام في ذلك.

الاستدلال بالأعراض على اللّه

  فإذ قد عرفت ذلك وأردت أن تستدل بالأعراض على اللّه تعالى، فمن حقك أن تثبتها أولا، ثم تعلم حدوثها، ثم تعلم أنها تحتاج إلى محدث وفاعل مخالف لنا وهو اللّه تعالى.

  والأصل فيه أن الأعراض على ضربين: مدرك، وغير مدرك.

  فالمدركات سبعة أنواع: الألوان، والطعوم، والروائح، والحرارة، والبرودة، والآلام، والأصوات.

إثبات الأعراض

  ومتى أردت أن تستدل بشيء منها، فلا تحتاج إلى إثباتها على طريق الجملة فإنها مدركة، وإنما تحتاج إلى إثباتها على طريقة التفصيل؛ هل هي نفس المحل على ما يقوله نفاة الأعراض، أو غيرها على ما نقوله؟ والذي يدل على أنها غير المحل هو ما قد ثبت أن الأجسام متماثلة، ومعلوم أن الأسود يخالف الأبيض، فلولا أن هذه المخالفة ترجع إلى معان فيه، وإلا لم يجز ذلك هذا إذا كان مدركا.