وسبب الاقتصار على الأصول الخمسة
  وأما من خالف في العدل، وأضاف إلى اللّه تعالى القبائح كلها، من الظلم والكذب، وإظهار المعجزات على الكذابين، وتعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، والاخلال بالواجب، فإنه يكفر أيضا.
  وأما من خالف في الوعد والوعيد، وقال إنه تعالى ما وعد المطيعين بالثواب ولا توعد العاصين بالعقاب البتة، فإنه يكون كافرا، لأنه رد ما هو معلوم ضرورة من دين النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم. والمراد لما هذا حاله يكون كافرا. وكذا لو قال:
  إنه تعالى وعد وتوعد ولكن يجوز أن يخلف في وعيده لأن الخلف في الوعيد كرم، فإنه يكون كافرا لإضافة القبيح إلى اللّه تعالى. فإن قال: إن اللّه تعالى وعد وتوعد، ولا يجوز أن يخلف في وعده ووعيده، ولكن يجوز أن يكون في عمومات الوعيد شرط أو استثناء لم يبينه اللّه تعالى، فإنه يكون مخطئا.
  وأما من خالف في المنزلة بين المنزلتين، فقال: إن حكم صاحب الكبيرة حكم عبدة الأوثان والمجوس وغيرهم فإنه يكون كافرا، لأنا نعلم خلافه من محمد دين النبي ÷ والأمة ضرورة. فإن قال: حكمه حكم المؤمنين في التعظيم والموالاة في اللّه تعالى، فإنه يكون فاسقا، لأنه خرق إجماعا مصرحا به، على معنى أنه أنكر ما يعلم ضرورة من دين الأمة. فإن قال: ليس حكمه حكم المؤمن ولا حكم الكافر ولكن أسميه مؤمنا، فإنه يكون مخطئا.
  وأما من خالف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلا وقال: إن اللّه تعالى لم يكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلا، فإنه يكون كافرا، لأنه رد ما هو معلوم ضرورة من دين النبي ÷ ودين الأمة. فإن قال: إن ذلك مما ورد به التكليف ولكنه مشروط بوجود الإمام، فإنه يكون مخطئا.
  فهذه جملة ما يلزم المكلف معرفته من أصول الدين. ونحن إذا قلنا إن المكلف يلزمه معرفة هذه الأصول، فلسنا نعني أنه يجب معرفتها على حد يمكنه العبارة عنها والمناظرة فيها، وحل الشبه الواردة فيها، إذ لو سميناه(١) ذلك لأدى إلى تكليف ما ليس في الإمكان، ويخرج أكثر المكلفين من أن يكونوا مكلفين بمعرفة هذه الأصول، فعلى هذا يجري الكلام في ذلك.
(١) في المطبوع: «سمناه».