[بيان معنى الأنهضية]
  الإمامين إذا تباعدت الديار أنه لا يجوزلأنه يمكنه أخذ الولاية من الأول واستقامة المصالح وهذا بالأولى.
  القول الثاني: أنها إذا تحققت الأنهضية جاز للأول التنحي جوازاً لا وجوباً من باب رعاية المصالح، إذا علمها القائم الأول واسترجح التنحي.
  القول الثالث: وجوب التنحي لكن إذا علم الأنهضية الأول من الثاني وعزل نفسه من نفسه، لا تولي ذلك من وراءه فلا يجوز إذ هو حقيقة البغي، وهذا هو كلام أهل المذهب.
  مع أن الكل مجمعون على أنها لا تعتبر الأنهضية إلا مع الاستواء في سائر شروط الإمامة والكمال بها، من العلم والتدبير والورع وغير ذلك، وقد سمعنا عن مشائخنا أن معظم شروط الإمامة والذي عليه قطبها يدور هو الورع، إذا كمل في كل شيء، ولأنه يورع الآخر عن الإقدام على الدعوة إلا عن إذن الذي قبله ويورع الأول عن التنحي لأنه لا يجوز له إلا إذا علم أنهضية الآخر واستجازه، وكان مذهبه ذلك بمثابة إسقاط الغريم للحق بعد أن حكم له فيه، وقد يفرق ويقال: هذا أشد لأنه حق لله تعالى وذلك حق آدمي متوقف على اختياره.
  ولقد صح لنا من الإمام المرحوم السبَّاق أحمد بن علي السراجي # أنها لما استتبت له الأمور، وبايعه الجمهور من العلماء والقبل العديدة وسائر الناس، وقال بعض من حضره من العلماء: قد تمت الأمور بحمد الله، فقال: إنها ما تمت وأنت تعلم أن قبلنا دعوة الوالد الإمام إسماعيل بن أحمد مغلس - رضوان الله عليه - وكان في بيته في الكبس قد أيس من الناس وألقى وأغلق بابه، فقال: لا بل دعوته وحجته عند الله تعالى باقية، ولا بد لنا من الرحلة إليه فرحل هو وبعض العلماء فوق البريد في الليل حتى وصلوا بيته وقرعوا الباب وفتح لهم وأكرمهم وقال: ما شأنكم؟ فقال الإمام أحمد: قد فعلنا كذا وكذا وكذا وكله لك ونحن أعوانك فقم تجدنا أطوع من نعلك، وأتبع من ظلك، فقال: يا ولدي أنا قد خبرت