مجموع فتاوى الإمام المهدي محمد بن القاسم (ع)،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[بيان معنى الأنهضية]

صفحة 165 - الجزء 1

  الناس وعندي بيعاتهم صناديق، وقد اختبرتهم وأيست منهم، لكني قد أذنت لك وألقيتها إليك، فقم على بركة الله حيث معك ظن بالتأثير، فانصرفوا وكان ما كان، فانظر إلى هذا الورع الشحيح الذي يظهر عند البؤس وهوى النفوس، الله يلحقنا بهم صالحين آمين.

  ثم إن الأنهضية لا تثبت بالظنون والأوهام والتخمينات، بل أقوى طرقها الاختبار أعظم من شروط الإمام لأن هذه نقض وتلك عقد، كما قالوا في حكم الحاكم أنه لا ينقض إلا بدليل علمي كمخالفة الإجماع، ونصوا أيضاً أن انعقاد الإمامة حكم فله حكمه، فلهذا كان من عادا الإمام فبقلبه مخط، وبلسانه فاسق، وبيده محارب، حتى عند القائم الأول، إذا كان مذهبه وجوب التنحي للأنهض فلا يجوز له التنحي إلا مع علم الأنهضية، لأنه من نفسه على يقين فلا ينقض هذا اليقين بالظن، والأمر واضح جلي، وهذا مع كمال سائر الشروط في الكل وسلامتها، وإلا اختل النظام، ونزلت الدهماء وكان كالتيمم مع وجود الماء.

  وأن الله تعالى يعطي الأئمة المحقين مسحةً إلهية وتنوير بصيرة، بها يعرفون غوامض الأمور وعواقبها، فلهذا نهى الله تعالى عن التقدم عليهم ومخالفة رأيهم وتدبيرهم وقال {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}⁣[النساء: ٨٣]، وقال ÷ «إنما جعل الإمام ليؤتم به»⁣(⁣١)، وقال «ولا تخالفوهم».

  ولقد قدمنا الأئمة قبلنا على جميع الموجودين حتى أقامنا الإمام المتوكل على الله ¥ مقامه في جميع ما أمره إلى الإمام، وقال: قد خبرناه في جميع أحواله،


(١) الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد (١/ ٤٥١) باب صلاة العليل، والبخاري (١/ ١٧٧)، ومالك في الموطأ (١٣٥)، وأحمد في مسنده (٦/ ٥١)، والبيهقي في السنن (٢/ ٢٦١)، والعسقلاني في فتح الباري (١/ ٤٨٧)، وغيرهم كثير.