مجموع فتاوى الإمام المهدي محمد بن القاسم (ع)،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[حول مسألة الإرجاء]

صفحة 226 - الجزء 1

  من دون دليل، وإن وجد في بعضها إلا ما شاء الله، فالتقييد بالمشيئة محتمل، ولا استدلال بمحتمل، إذ تحتمل إلا ما شاء الله وهي الأوقات المتقدمة على دخول النار، كيف ويوم الحساب وحده خمسون ألف سنة.

  ويحتمل أن التقييد بها ليس باستثناء حقيقة، بل هو لتعليم التأدب، كما في قوله تعالى {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}⁣[الكهف]، ولهذا دخلت في سياق أهل الجنة، مع أنه لا قائل باستثناء أحد منهم.

  وفي قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}⁣[النساء: ٤٨]، المراد بهم أهل الصغائر، لأنها قد أفادت أن ما عدا الشرك فمنهم من يشأ تعذيبه ومنهم من لا يشأ.

  وكل دليل من أدلة الإرجاء محتمل، والمقام مقام بيان في مسألة قطعية، لو جوزنا التشكيك فيها لزم عنه التلبيس في أمر الدين، وناقض قوله تعالى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨]، {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل: ٨٩]، والوعيد من الله إخبار وهو لا يجوز تخلفه من الحكيم تعالى.

  والأصل الثاني: أن الكتاب والعترة لا يختلفان، لما تقرر من الأدلة أن الحق معهم، وأنهما لا يفترقا حتى يردا الحوض، وأنهم تراجمة الكتاب، وحماته وورثته، والأدلة في ذلك واسعة بالغة حد القطع ليس هذا موضع ذكرها.

  وقد تقرر في مسائل الفروع أن كل مجتهد مصيب، أو المخطئ معذور على اختلاف المذهبين، وتقرر أيضاً أن الحق في أصول الدين مع واحد، والمخالف مخطء غير معذور.

  إذا تقرر هذا، فنقول: الروايات المشهورة عن أئمتنا $ في كتب الأصول وغيرها الإطباق على أن صاحب الكبيرة إذا مات غير تائب فيستحق العذاب الدائم لا محالة، وهو الذي يجب حمل أقوالهم عليه، ورد ما شذ عنه إليه؛ لأنه قد تقرر أن هذه المسألة من أمهات مسائل أصول الدين، وتقرر بآيات الوعيد