[حول مسألة الإرجاء]
  الأصول والفروع، هذا هو الذي يقتضيه الوضع العربي، مع كونه خطاب من لا يجوز مخالفة أمره، وخبر من لا يجوز كذبه ولا تلبيسه.
  وإنما خُصِّصَت عمومات الفروع بمصير دلالتها ظنية لكثرة المخصصات فيه بخلاف الأصول، ولكونه مما يكتفى فيه بالظن بخلاف الأصول، وبقية عمومات الأصول على أصلها.
  ثم إنه لا يجوز أن يتعبدنا الله بالعلم ولا ينصب لنا عليه إلا دليلاً ظنياً، فهل هذا إلا تكليف ما لا يطاق والله يتعالى عنه.
  ومنها ما هو خاص: مثل آية القاتل وآية القاذف وغيرهما؛ فأي احتمال يدخلها.
  وما ذكر من أن العفو جائز عقلاً: معارض بمثله، فيقال بل قبيح عقلاً، لأنه إغراء على فعل القبيح.
  بيانه: أن الآمر الناهي إن لم يعاقب على مخالفته تجرأ المأمور عليها وسقطت ثمرة الأمر والنهي، لأنه يصير المأمور والمنهي الممتثل وغيره على سواء.
  فإن قيل: بحسنه عقلاً في جزئية لا تتكرر، كالعفو عمن أساء إليك.
  فلا سواء إذ هذه أعمال تكاليف تبنى على أصول وضوابط وحوابس مانعة رادعة، حتى قضى العقل بأن عفوك عن المسيء لو عرف تجريه على المعاودة بسبب العفو لكان قبيحاً، فكيف بعد التصريح بمثل قوله تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}[ق]، و {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ١٨}[غافر]، {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣]، وغير ذلك كثير.
  إذا تقرر هذا فيجب حمل ما روي عن بعضهم عليه، وتأويله ورده إليه، بأي وجه من الوجوه:
  فمثل دعاء علي بن الحسين #: اللهم إن تشأ تعذبنا فبعدلك، وإن تشأ تعف عنا فبفضلك.