المنتخب والفنون،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المقدمة]

صفحة 38 - الجزء 1

  بقتاله، ولم يوجب الإمامة إلا لمن دعا إليه وإلى أمره أما سمعت قوله سبحانه لإبراهيم صلى الله عليه إذ سأله أن يجعل الإمامة في ولده لما قال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ ١٢٤}⁣[البقرة]، يعني سبحانه بعهده الإمامة، ولم يجعل الله تبارك وتعالى ذلك عاماً في جميع ولد إبراهيم ~ إنما قال له: لا ينال عهدي الظالمين، يعني: مَنْ ظلم منهم، ولم يعن بذلك الكل، بل أمرنا الله تبارك وتعالى بالكينونة مع الأئمة الصادقين، والصادقون: فهم الأئمة العادلون الذين وصفهم الله في كتابه بصفات أفعالهم، والإشارة منه إليهم، والدلالة عليهم بقيامهم بأمر ربهم؛ فلم نر في عصرنا هذا، ولا شاهدنا ولا قال لنا قائل عالم عادل أنه شَاهَدَ في هذا العصر رجلاً قائماً يدعوا إلى الله ويبلي فيه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقطع يد السارق إذا سرق، ويحد⁣(⁣١) الزاني إذا زنى، ويقتل القاتل إذا تعدى، وهو مع ذلك لا يجمع الدنيا بعضها على بعض، ولا يكتسب من حطامها ما يحرم عليه إلا يحيى بن الحسين، فشهدنا عند ذلك لَمَّا رأيناه قد كملت فيه هذه الصفة التي وصف الله بها الأئمة في كتابه أنه الإمام العادل في هذا العصر المفترض الطاعة الذي لا يحل التخلف عنه طرفة عين إلا بإذنه؟

  فإن قال لنا: قد فهمتُ ما ذكرتم من صفات الأئمة الذين وصفهم الله بها فمن أين خصصتم يحيى بن الحسين بالإمامة دون غيره؟ ولا أشك أن في هذا العالم من يصلح لهذا المقام ويقوم بهذه الصفة التي وصف الله سبحانه من أهل هذا البيت أو غيرهم.

  قلنا له: قد أجمعت معنا أن هذه صفة الأئمة الذين وصفهم الله في كتابه، فافهم ما نشرحه لك في جوابك من قولك: في أهل هذا البيت أو في ساير الناس؟

  واعلم أرشدك الله أن الأمة بأسرها أجمعت أنه لا بد لها من إمام، يلم شعثها، ويأخذ من قويها لضعيفها، ويرشد ضالها، ويأخذ حق فقيرها من غنيها، ويقيم لها


(١) في نخ (٥): ويجلد.