شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فساد قول النجارية:

صفحة 300 - الجزء 1

  أو ليت لم يكن كذا، وإن كان يعتبر فيه الإرادة أن يكون هو الإرادة نفسها، كما في الخبر لأنه مما يعتبر فيه الإرادة ثم لا يقال هو الإرادة نفسها، كذلك في مسألتنا.

  وبعد، فكان يجب على ما قالوه أنه لا يصل أحدنا إلى متمناه البتة، والمعلوم خلافه.

  فإن قيل: إنا نقول: إرادة اللّه تعالى تتعلق بالضدين ولكن على الوجه الذي يصح دون الوجه الذي يستحيل، فيريد أحد الضدين أن يكون، والآخر بأن لا يكون.

  قيل له: الإرادة لا يصح تعلقها بالنفي، لأنها لو تعدت في التعلق من وجه الحدوث إلى ما زاد عليه ولا حاصر، لوجب تعديها في التعلق إلى سائر الوجوه كالاعتقاد، فتعلق بالقديم والماضي والباقي، وقد علم تعذر ذلك، وأما إرادة أن لا يقوم زيد فهي متعلقة بضد القيام وهو القعود، ولذلك لا يصح أن يريد من الميت أن لا يقوم، لما لم يتأت منه القعود.

  وبعد، فلو كان القديم مريدا لذاته والمرادات غير مقصورة، فالواجب أن يريد كل واحد من الضدين على كل وجه يصح أن يراد عليه، فيريد كل واحد منهما أن يكون وأن لا يكون، فيلزم اجتماع الضدين لا محالة.

  وبعد، فليس بأن يريد أحد الضدين أن يكون والآخر أن لا يكون أولى من خلافه، فيجب أن يريد كل واحد منهما أن يكون وأن لا يكون لأنه مريد لذاته لا بإرادة محدثة تختص أحدهما دون الآخر.

  فإن قيل: يريد أحدهما، ثم كونه مريدا له يحيل كونه لضده.

  وقيل له: كيف يكون بإرادة أحدهما أحق من إرادة الآخر مع كونه مريدا لذاته؟.

  وبعد، فإن هاهنا أضدادا لم يرد اللّه تعالى شيئا منها، ألا ترى أنه لم يرد خلق فعل بحضرتنا إذ لو أراده يحصل فكنا ندركه، ولا أراد ضده أيضا وهو الفناء إذ لو أراده لفنيت الأجسام كلها، لأن فناء بعض الأجسام فناء لسائرها، وكذلك فلم يرد تحريك هذا الجسم ولو أراده لتحرك فكنا نعلمه متحركا، ولا أراد تسكينه أيضا وإلا كان يتعذر علينا تحريكه، لأن مراد اللّه تعالى بالوجود أولى، وأيضا فلم يرد اللّه تعالى زيادة شهوتنا للطعام، وإلا ازدادت فكنا نجدهما من أنفسنا ونتبينها، ولا أراد ما يضادها من النفار وإلا كنا نجد أنفسنا نافرين عن الطعام، فكيف يصح أن يقال في كل