شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام في الخلق والمخلوق

صفحة 376 - الجزء 1

  قلناه. يبين ذلك أن الحي لا يخلو عن الصفة. وضدها لأن خلوه عن الصفتين كحصوله عليهما، فكما لا يجوز أن يحصل على حالتين ضدين، كذلك لا يجوز أن يخلو عنهما جميعا. وإنما جمعنا بين الخلو والاجتماع، لأن بعد أحدهما في العقل كبعد الآخر.

  وربما أكدوا ذلك بالمحل واستحالة خلوه من الأكوان.

  وجوابنا عن ذلك، ما تريدون بقولكم أنه تعالى لو لم يكن متكلما فيما لم يزل لوجب أن يكون أخرس أو ساكتا؟ أتريدون به أنه لو لم يكن متكلما، مع صحة أن يكون متكلما أو مع استحالة أن يكون ذلك فيه؟ فإن أردتم به مع الاستحالة فلا يصح، وإلا كان يجب أن تكون الجمادات كلها ساكتين خرسا، والمعلوم خلافه.

  وإن أردتم به مع الصحة، فمن أين ثبت لكم صحة هذه الصفة على اللّه تعالى فيما لم يزل، وكيف يصح أن يكون متكلما فيما لم يزل، مع أن المتكلم ليس إلا فاعل الكلام، فإن قالوا: لأنه حاصل على هذه الصفة فيما لا يزال، ولولا صحتها فيما لم يزل، وإلا كان لا يحصل عليها الآن، كما في كونه عالما، فإنه لما كان عالما الآن وجب صحة أن يكون عالما فيما لم يزل.

  قلنا لهم: ولم جمعتم بينهما، ولم صار كونه متكلما بأن يكون مردودا إلى كونه عالما، أولى من أن يرد إلى كونه فاعلا؟

  فإن قالوا: لأن كل واحدة من الصفتين مستحقة للذات.

  قلنا: وفي هذا خولفتم، وفيه وقع النزاع، فكيف يصح هذا الاستدلال؟ ثم يقال لهم: إن أحدنا إذا لم يكن متكلما، فإنما يجب أن يكون أخرس أو ساكتا لأنه متكلم بآلة، ومتى لم يستعمل تلك الآلة في الكلام كان ساكتا ومتى لحقته، آفة من رطوبة مفرطة أو جفاف مفرط كان أخرس، والقديم تعالى متكلم لا بآلة، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر، هذا هو الجواب عن الأول.

  وأما الجواب عن الثاني، فإنا نقول لهم: قولكم إن الحي لا يخلو عن الشيء وعن ضده ليس يصح، لأنا قد ذكرنا أن الواحد منا مع صحة كونه عالما بتصرفات الناس في الأسواق قد لا يريدها ولا يكرهها، فقد خلا عن الصفة وضدها، وأما ما قالوه من أن خلوه عن الصفتين كحصوله عليهما، فإن ذلك جمع بين أمرين من غير علة جامعة، وأما قياسهم ذلك على الجوهر والكون، فلا وجه له، لأن ذلك إنما وجب في الجوهر والكون عندنا، لأن وجود أحدهما مضمن بوجود الآخر، وليس كذلك في