الكلام في الخلق والمخلوق
  مسألتنا.
  على أن هذه الجملة تنبني على أن الخرس والسكوت ضدان للكلام، وليس كذلك، فإن الكلام لا ضد له من جنسه ولا من غير جنسه، أما من جنسه فلأن الذي يشتبه الحال فيه ليس إلا أن يقال، إن الراء مضاد للزاي لاستحالة اجتماعهما ويمكن أن يجعل الوجه في استحالة اجتماعهما شيء آخر سوى تضادهما، وهو أن كل حرف من الحروف لا يخرج إلا من مخرج مخصوص، فإذا أمكن أن يرجع باستحالة اجتماعهما إلى ما ذكرناه، لم يمكن الدلالة بهذه الطريقة على تضادهما.
  يبين ذلك، أن استحالة اجتماع الشيئين إنما يدل على تضادهما إذا كان لا يكون لتلك الاستحالة وجه سوى التضاد، فأما إذا كان هناك وجه آخر فلا، وعلى هذا فإنك تعلم استحالة حصول الجوهرين في جهة واحدة على تماثلهما، وأما من غير جنسه، فلا شك أن الذي يشتبه فيه الحال ليس إلا الخرس والسكوت، وذلك لا يجوز أن يكون ضدا للكلام، لأن المرجع بالخرس إلى فساد يلحق آلة الكلام من رطوبة مفرطة أو جفاف مفرط، والرطوبة واليبس مما لا يضادان الكلام، ولهذا يصح في الكلام أن يجامع الرطوبة مرة واليبس أخرى، والمرجع بالسكوت إلى تسكين آلة الكلام حال القدرة عليه، والسكون ضد الحركة والحركة مخالفة للكلام، فلا يجوز أن يكون ضدا للكلام، لأن الشيء الواحد لا يجوز أن يكون ضدا لشيئين مختلفين ليسا بضدين، وأيضا، فلو كان الخرس والسكوت يضادان الكلام، لكان يجب استحالة أن يوجد اللّه الكلام في لسان الأخرس والساكت، وقد عرف خلافه.
  وربما قال هؤلاء الأشعرية الذين أثبتوا كلام اللّه تعالى معنى قديما قائما بذاته، لو لم يكن متكلما بكلام قديم لكان لا بد من أن يكون متكلما بكلام محدث، وذلك الكلام المحدث لا يخلو إما أن يكون حالا فيه أو في غيره، أو لا في محل، والأقسام كلها باطلة، فلم يبق إلا أن يكون متكلما بكلام قديم على ما نقوله.
  وجوابنا، أن من حق القسمة أن تكون مشتملة على مذهب الخصم، وليست هذه القسمة كذلك، فإن هاهنا قسمة قد أخللت بها، وهو أنه لا يجوز أن يكون متكلما لذاته فلا يصح.
  فإن قالوا: تلك القسمة لا إشكال في فسادها، فلو كان متكلما لذاته لكان يجب أن يكون متكلما بسائر ضروب الكلام وأجناسه، وذلك محال. قلنا: ولم وجب ذلك؟