شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أدلة المرجئة:

صفحة 461 - الجزء 1

  لِلْمُتَكَبِّرِينَ} قيل لهم: إن الإنابة تحتمل أن تكون إنابة إلى الإسلام، وتحتمل أن تكون الرجوع عن المعصية، فمن خصصه بالرجوع إلى أحد الوجهين دون الثاني، فقد خصصه بغير دلالة. ومتى قيل: ليس هذا من ألفاظ في العموم، حتى يقال: إنكم قد خصصتم من دون دلالة، وإنما هو من باب ما يقال: إن العبارة الواحدة أريد بها معنيان مختلفان، فكيف يصح لكم ذلك؟ قيل له: الإنابة إذا كان يراد بها الرجوع، وذلك يحتمل أن يراد به الرجوع إلى الإسلام، وأن يراد به الرجوع عن المعصية، فإن كل واحد منهما رجوع إلى اللّه تعالى، لم يكن لتخصيص أحد الوجهين دون الثاني وجه.

  وأحد ما يتعلقون به قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ}⁣[الرعد: ٦] قالوا: بيّن أنه يغفر للظلمة في حال ظلمهم، وفي ذلك ما نريده.

  وجوابنا عن ذلك، أن الأخذ بظاهر الآية مما لا يجوز بالاتفاق، لأنه يقتضي الإغراء على الظلم، وذلك مما لا يجوز على اللّه تعالى فلا بد من أن يؤوّل، وتأويله هو أنه يغفر للظالم على ظلمه إذا تاب.

  فإن قيل: إن هذا الذي ذكرتموه ينبني على أن لفظة «الناس» المذكورة في الآية تقتضي العموم، ونحن لا نسلم ذلك.

  قيل له: قد بينا أن اللام إذا دخل على اسم جنس ولم يكن هناك معهود ينصرف إليه، فلا بد من أن يفيد استغراق الجنس فيقتضي الإغراء على ما ذكرناه، فليس إلا أن يقال في تأويله ما بيناه.

  ومتى قالوا: ليس يجوز أن يسمى التائب ظلما، والآية تقتضي جواز ذلك ففسد تأويلكم.

  قلنا: ليس يمتنع أن يسمى التائب ظالما، فإن من رمى مسلما وتاب قبل الإصابة يسمى ظالما على توبته، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ يزيد ذلك وضوحا، أن الظالم اسم مشتق غير منقول من اللغة إلى الشرع، فيجوز أن يسمى به التائب وغير التائب، وعلى هذا قال آدم #: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} الآية، فسمى نفسه ظالما وإن كان قد تاب. وقال موسى #: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}⁣[القصص: ١٦] فغفر له على توبته.

  غير أنا لا نطلق هذا اللفظ على التائب لأنه يوهم الخطأ، ويقتضي استحقاقه للذم