أدلة المرجئة:
  وهو غير مستحق للذم، وإذا كان الذي له ولأجله لم يجز للواحد أن يصف التائب بأنه ظالم هو ما ذكرنا من إيهامه الخطأ، وذلك مرفوع عن كلام اللّه جل ذكره، لما قد ثبت عدله وحكمته، لم يمتنع أن يصفه اللّه تعالى به، إذ لا يريد به إلا المعنى الصحيح، وجرى ذلك مجرى قوله تعالى: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} فكما أنه جاز له إجراء لفظ العاصي على آدم لثبوت حكمته جل وعز، لأنه لم يرد به إلا المعنى الصحيح دون الفاسد، ولم يجز لنا ذلك لما لم تثبت حكمتنا، كذلك هاهنا، فهذا تمام القول في هذه الآية.
  وأجد ما يتعلقون به قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ١٤ لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ١٥ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ١٦} والفاسق لم يكذب ولم يتول، فيجب أن لا يعذب على الحد الذي نقول. وجوابنا عن ذلك، لا تعلق لكم بظاهر هذه الآية، لأن ظاهر الآية يقتضي أن لا يعذب بالنار قطعا وأنتم لا تقطعون بذلك، وعلى أن في الكفر ما لا يكون تكذيبا نحو الزنا بين يدي رسول اللّه ﷺ، ونحو الاستخفاف به بالشتم أو الضرب أو غير ذلك، فيجب في الكافر الذي هذا سبيله أن لا يصلى النار، وقد عرف خلافه.
  وأيضا، فإن قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ١٤} نكرة، فأكثر ما فيه أن لا يصلى تلك النار إلا الأشقياء الذين يكذبون، فمن أين أنه لا يجوز أن يصلى الفاسق بغيرها من النيران، فبطل ما ذكرتموه، وعلى أن ظاهر الآية يقتضي الإغراء، لأن الفاسق متى اعتقد وعلم أنه وإن أتى بكل فاحشة وبلغ في الفسق كل مبلغ لا يصلى بالنار، كان مغرى على القبيح ومحرضا عليه، وذلك لا يجوز على اللّه تعالى.
  فإن قيل: إن الإغراء يزول بالخوف من أن يعاقبه في الموقف بالتعطيش وغيره من أنواع العقوبات، قلنا: إن هذا خرق الإجماع، لأن الأمة اتفقت على أن من استحق العقوبة إذا لم يعاقبه اللّه تعالى بالنار في دار الآخرة لا يعاقبه خارج النار.
  وعلى أن شيخنا أبا الهذيل، ذكر أن الآية تتناول الكافر والفاسق جميعا، لأن قوله: {تَوَلَّى} يجوز أن يكون المراد به الفاسق، غير أن هذا الكلام يضعف من طريق العربية.
  ومما يتمسكون به قوله تعالى: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} قالوا: إن الآية تدل على أن الذي يجب أن يكون آيسا من روح اللّه إنما هو الكافر دون الفاسق.