فصل في الشفاعة
  وجوابنا، إن اليأس المذكور في الآية، إنما هو إنكار الجنة والنار، فأكثر ما تتضمنه الآية أن الفاسق لا ينكره، ونحن لا نقول إنه ينكره، فلا يصح التعلق به.
  فإن قيل: إن هذا تخصيص من دون دلالة، قيل له: إنا خصصناه بذلك للأدلة الدالة عليه، وهي عمومات الوعيد.
  فإن قيل: إن هذه الآية ليس بأن تحمل على عمومات الوعيد أولى من أن تحمل عمومات الوعيد على هذه الآية، فيجب أن يتوقف فيهما، فقد وقف القولان موقفا واحدا. قيل لهم: إن الدلالة قد دلت على أن الفاسق ييأس من رحمة اللّه يوم القيامة لا محالة، فلم يكن بد من أن يحمل اليأس المذكور في الآية على إنكار الجنة والنار، ففسد ما قالوه.
  وقد قالت المرجئة: لو أمكن الاستدلال بعمومات الوعيد والأخذ بظاهرها لأمكن مثله في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} فلو أخذتم بذلك، وأجبتم إلى هذا الكلام لزمكم القول بأن من لم يحكم بما أنزل اللّه فهو كافر، وذلك دخول في مذهب الخوارج، وأنتم لا تقولونه ولا ترضونه مذهبا. قيل له:
  إنما خصصنا هذه الآية لدلالة دلت عليه وحجة قامت به، ولم تقم مثل الدلالة في عمومات الوعيد، وليس يجب إذا خصصنا عاما لدلالة اقتضته ووجه أوجبه، أن نخص كل عام في كتاب اللّه تعالى، وإن لم تقتضيه دلالة.
  وبعد، فإن قوله {بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} عام، كما أن قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ} عام، فيقتضي ظاهر الآية أن كل من لم يحكم بجميع ما أنزل اللّه فهو كافر، ونحن هكذا نقول، فعلى هذه الطريقة يجري الكلام في هذا الباب.
فصل في الشفاعة
  ووجه اتصاله بباب الوعيد، هو أن هذا أحد شبه المرجئة الذين يوردون علينا طعنا في القول بدوام عقاب الفساق. وجملة القول في ذلك، هو أنه لا خلاف بين الأمة في أن شفاعة النبي ﷺ ثابتة للأمة، وإنما الخلاف في أنها ثبتت لمن؟
  فعندنا أن الشفاعة للتائبين من المؤمنين، وعند المرجئة أنها للفساق من أهل الصلاة.
  ونحن قبل الاشتغال بالدلالة على صحة ما اخترناه من المذهب، نذكر الشفاعة.