شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فائدة الشفاعة وموضوعها

صفحة 464 - الجزء 1

  اعلم أن الشفاعة في أصل اللغة مأخوذة من الشفع الذي هو نقيض الوتر، فكأن صاحب الحاجة بالشفيع صار شفعا.

  وأما في الاصطلاح، فهو مسألة الغير أن ينفع غيره أو أن يدفع عنه مضرة، ولا بد من شافع ومشفوع له، ومشفوع فيه ومشفوع إليه. وقد سأل | نفسه، إن المشفوع إليه إذا أجاب الشفيع هل يكون مكرما له أم لا؟ والأصل فيه، أنه يكون مكرما له، لأنه لا بد من أن يكون قد قصد بالإجابة إكرامه، وإلا لم يكن إيصاله تلك المنفعة إلى الغير ودفعه ذلك الضرر بشفاعته.

  إذا ثبت هذا، فالذي يدل على ما ذكرناه، هو أن شفاعة الفساق الذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا يتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير وترصد للآخر حتى يقتله، فكما أن ذلك يقبح فكذلك هاهنا هذا، الذي ذكره قاضي القضاة.

  والذي يذهب إليه أبو هاشم، هو أنه تحسن الشفاعة مع إصرار المذنب على الذنب كما في العفو، ولعل الصحيح في هذا الباب ما اختاره قاضي القضاة.

  وأحد ما يدل على ذلك أيضا، أن الرسول إذا شفع لصاحب الكبيرة فلا يخلو، إما أن يشفع أو لا، فإن لم يشفع لم يجز لأنه يقدح بإكرامه، وإن شفع فيه لم يجز أيضا لأنا قد دللنا على أن إثابة من لا يستحق الثواب قبيح، وأن المكلف لا يدخل الجنة تفضلا.

  وأيضا فقد دلت الدلالة على أن العقوبة تستحق على طريق الدوام، فكيف يخرج الفاسق من النار بشفاعة النبي # والحال ما تقدم، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} الآية، وقوله تعالى: {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} فاللّه تعالى نفى أن يكون للظالمين شفيع البتة، فلو كان النبي شفيعا للظلمة لكان لا أجل وأعظم منه.

  ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: {أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} وقوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى}.

فائدة الشفاعة وموضوعها

  وقد أورد | بعد هذه الجملة الكلام في فائدة الشفاعة وموضوعها.