شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر مسائل أصول الدين وما يتبعها]

صفحة 112 - الجزء 1

  باطل أن لا يلحقهم بهم في شيءٍ من ذلك لأنه قد أخبر بإلحاقه لهم بهم وخبره حق، لما يأتي بيانه في أبواب العدل، فثبت أنه تعالى يلحقهم بهم.

  ثم لا يخلو: إما أن يُلحقهم بهم في أحكام الآخرة، أو في أحكام الدنيا، ولا واسطة بين الحكمين؛ فلزم أن لا بد من أحدهما.

  قلنا: ولا يجوز أن يريد سبحانه بذكر إلحاقهم بهم في أحكام الآخرة لأمرين:

  أحدهما: القرينة اللفظية في آخر الآية وهو قوله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ٢١}⁣[الطور]، فثبت بذلك أن أحداً لا يلحقه حكم أبيه في الآخرة، وقد خالفتنا⁣(⁣١) في ذلك المجبرة، ولا وجه لذكر خلافهم ها هنا.

  والثاني: القرينة المعنوية في وسط الآية وهي قوله تعالى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الطور: ٢١]، فنبَّه سبحانه بذلك على أنه يريد الإلحاق في أحكام الدنيا؛ لأن الألت في أصل اللغة هو النقص، والنقص من عمل العامل لا يجوز عليه سبحانه، فلزم من ذلك أن أولادهم لا يشركون في أحكامهم الأخروية، لأن التبعيض يوجب النقص بالإتفاق؛ ولأن ثواب العمل لا يستحقه إلا عَامِله، خلافاً للمجبرة على ما ذلك مقرر في مواضعه من كتب العدل.

  ولا يجوز أن يلحقهم بهم سبحانه في مجموع الأمرين من أحكام الدنيا والآخرة، لما بينا من الموانع أن يراد بذلك أحكام الآخرة، فلم يبق إلا أن المراد بذلك إلحاقه لهم بهم في أحكام الدنيا، وإلا تعرت الآية الشريفة من الفائدة رأساً، وذلك لا يجوز، فلم يبق إلا أن المراد بذلك إلحاقه سبحانه لهم بأبائهم في أحكام الدنيا فيما عليهم ولهم، فبذلك قضى الله تعالى على أولاد الأرقاء بالرق في هذه الدنيا وهو حكم آبائهم ليصبروا، وقضى لأولاد الأنبياء $ بالإمامة والزعامة إلحاقاً لهم بحكم آبائهم ليشكروا، فمن شكر من هؤلاء أُجر، ومن صبر من أولئك أُجر، ومن كفر من هؤلاء


(١) في (ن): خالفنا.