شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(مسألة الإمتحان)

صفحة 169 - الجزء 1

  أما أنهم لو قدروا عليها لقدروا على أضدادها؛ فلأن القدرة على الشيء هي القدرة على ضده، بدليل أن القدرة على الحركة قدرة على السكون، ولهذا يصح من أحدنا أن يفعل أحدهما بدلاً من الآخر.

  وأما أنهم لا يقدرون على أضدادها فلأنا نعلم من العليل أنه يجتهد في برء نفسه، فلو كان البرء مقدوراً له لما أخره ساعة واحدة؛ خاصة منا لقلة صبرنا.

  وأما الأنبياء $ فقد كانوا يختارون الصبر على الألم، واحتمال المشاق، رغبةً في عوض الآخرة، وإلا فكان يدخل تحت مقدورهم الدعاء إلى الله - تعالى - برفع الآلام عنهم.

  ألا ترى إلى أيوب # وتأخيره للدعاء حتى بلغ به الجهد كل مبلغ!؟.

  فأما أن أحداً من القادرين بقدرة يمكنه دفع الألم عن نفسه بحوله فلا سبيل لأحد إلى تصحيحه.

[إبطال حصول الآلام بتأثيرات الطبائع]

  فإن قيل: فما أنكرتم أن هذه الآلام حصلت بتأثيرات الطبائع، وإحالات الأجسام، وانحراف الأمزجة كما ذهبت إليه الطبائعية ومن طابقها؟.

  قلنا: أنكرنا حصول هذه الآلام من الطبائع؛ لأنها غير حية ولا قادرة، والفعل لا يصح إلا من حي قادر على ما أجمع عليه أهل الإسلام وأيدناه بالبرهان في مسألة قادر.

[إبطال حصول الآلام من الإحالات]

  وأنكرنا حصول هذه الآلام من الإحالات؛ لأن الإحالات لا تخلو: إما أن تكون معقولة حتى يصح إضافة الفعل إليها، أو غير معقولة.

  فإن كانت غير معقولة، إستوى نفيها وإثباتها في باب الجواز؛ لأن إثبات ما لا يعقل لا يكون أولى من نفيه؛ فوجب القضاء بفساده كما لزم ذلك الأشعرية في إثباتهم رؤية للباريء غير معقولة فراراً مما ألزمنا المجسمة.