[الكلام في مسألة حي]
  يخرجوا بلطف إحتيالهم ثمرة، أو يركبوا على ذلك الوجه الفائق حبَّة، أو ينشروا زهرة، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً؛ علمت أن ذلك أبلغ في العقل من كتابة الكاتب، وبناء الباني، ولولا علمهما بوجود الكتابة على ذلك الوجه مفيدة، والبناء حسناً لما صح منهما ذلك؛ وكذلك لولا علم الله - سبحانه - بحاجة العباد إلى ما خلق لهم من الآلات والحواس والمنافع قبل خلقهم لما تأتى منه تعالى ذلك؛ فلما فعل ذلك قبل الحاجة مطابقاً لها في أمور كثيرة لا يصح حصولها بالإتفاق، علمنا أنه سبحانه أعلم العلماء، وأحكم الحكماء، وذلك يوجب علمه بجميع المعلومات؛ لأن علمه ببعض المعلومات، ولا مخصص لكون هذه الصفة واجبة له تعالى للذات، توجب علمه بجميع المعلومات، وفي جميع الأوقات، واستحالة خروجه عنها في جميع الحالات، وسيأتي ما يؤيد هذا فيما بعد إنشاء الله تعالى.
[الكلام في مسألة حي]
  [١٣]
  وكلُّ مَنْ كان عَلِيمَاً قادراً ... لِذَاتهِ وناهياً وآمراً
  وباطناً لخَلْقِهِ وظاهِراً ... وقابلاً لتَوْبِهِم وَغَافِراً
  فَذَاكَ حَيٌّ غَير ذِي اعْتِلالِ
  لما فرغ من الكلام على أنه تعالى عالم، قادر؛ عقبه بالكلام في أنه تعالى حي، وإنما وجب تأخير هذه المسألة عن كونه تعالى قادراً وعالماً؛ لأن الذي علمنا به ذات الباريء - تعالى - هو وقوع الفعل من جهته؛ ووقوع الفعل من جهته دلالة على قدرته، وترتيبه دلالة على علمه، وذلك واقع لنا بالمشاهدة والإعتبار، قبل خطور هذه المسألة رأساً بالبال؛ فلذلك أخرنا مسألة حي عن مسألة قادر وعالم، وإن كانتا يترتبان في الصحة عليها؛ لاستحالة كون من ليس بحي عالماً وقادراً.