(فصل): (في أن القرآن: كلام الله تعالى)
  وتحقيق ذلك التحرير ينبني على أصلين: أن النبي ÷ كان يدين بذلك ويخبر به. والثاني: أنه ÷ لا يدين إلا بالحق، ولا يخبر إلا بالصدق.
  أما الذي يدل على الأول: وهو أن النبي ÷ كان يدين بأن القرآن كلام الله ويخبر به: فذلك معلوم من حاله ÷ ضرورة لكل من علم أنه (عليه أفضل الصلاة والسلام) كان في الدنيا.
  وأما الذي يدل على الأصل الثاني: وهو أنه ÷ لا يدين إلاَّ بالحق، ولا يخبر إلاَّ بالصدق: فلأن الله - سبحانه - أظهر المعجز على يديه على ما يأتي بيانه، فلو كان كاذباً مُبطلاً - حاشاه عن ذلك - قبح إظهاره عليه؛ لأنه كان يكون بمنزلة التصديق على أبلغ الوجوه، وتصديق الكاذب قبيح، وقد تقدم الكلام في أن الله - تعالى - لا يفعل القبيح.
[بيان معنى المُعْجز وعلى مَنْ يَظْهَر]
  فإن قيل: ومن أين لكم أن المعجز ظهر على يديه؟، وما معنى المعجز؟.
  قلنا: أما ظهور المعجز على يديه فحصل لنا العلم منه من طريقين: جملية، وتفصيلية.
  أما الجملية: فقد علمنا ضرورة أن جميع من ادعى النبوءة من المحقين أتى بالمعجز، وقد ادعى ÷ ذلك، فكان لا بد من معجز، وقد رويت له معجزات يكثر تعدادها في هذا المكان كإجابة الشجر وكلام الحجر إلى غير ذلك، علمنا جملة أن لا بد من صحة بعضها أو كلها كما علمنا شجاعة عنتر وسخاء حاتم، وإن كانت مقامات عنتر وعطايا حاتم لا تعلم كل واحدة منها على التفصيل، فصح بذلك ظهور المعجز على يديه - عليه وآله أفضل الصلاة والسلام -.
  وأما التفصيلية: فإنا نعلم من أنفسنا حال كثير من معجزاته ÷ كإطعام العدد الكثير من الطعام اليسير، وكثير مما يشاكل ذلك ضرورة، وطريقها البحث والتفتيش، أو الإصغاء والإستماع.