شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(مسألة الإمتحان)

صفحة 170 - الجزء 1

  فإن رجع بالإحالة إلى شيءٍ معقول؛ فذلك الشيء لا يخلو: إما أن يكون محدثاً، أو قديماً، ولم نذكر المعدوم؛ لأن إضافة الأفعال إليه مستحيلة؛ لأنا نعلم تعذر الفعل على الموجود إذا عدمت قدرته وحياته، فكيف يضاف إلى المعدوم مع عدم ذاته وقدرته!؟، واستحالة ذلك في العقول أبعد {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ٢٦٩}⁣[البقرة].

  فإن كان يريد بقوله: حصل بالإحالة حصل بالقديم سبحانه.

  قلنا: هذا وإن صح من جهة المعنى، من حيث أنه لا يقدر على تقليب العباد بين الخير والشر، ليشكروا على أحدهما ويصبروا على الآخر، فيعطيهم على الشكر أجر الشاكرين، وعلى الصبر أجر الصابرين، ويُرغِّب بالخير في خير الآخرة، ويخوفهم بالشر من شر الآخرة، وغير هذه وجوه لا تمنع منها الحكمة؛ فذلك قبيح من جهة العبارة قبحاً لا يؤمن إنتهاؤه إلى الكفر؛ لأن إطلاق الأسماء عليه لا يجوز إلا بشرع أو لغة، ولا دليل في واحد منهما على تسمية الباريء - سبحانه - إحالة؛ بل الفاعل عموماً، وإن رجع بالإحالة إلى أمر محدث، فالمحدث ينقسم إلى متحيز في الوجود، وغير متحيز؛ فالمتحيز الأجسام والجواهر، وغير المتحيز الأعراض.

[بيان عجز الأجسام عن إيجاد الإمتحانات]

  ولا يجوز حصول الآلام وسائر المحن من الأجسام، لأنها تنقسم إلى جماد وحيوان.

  باطل حصولها من الجماد؛ لأنه غير حي ولا قادر، والفعل لا يصح إلا من حي قادر.

  وباطل أن تحصل هذه الآلام وسائر الإمتحانات من الحيوان؛ لأنه قادر بقدرة، والقادر بقدرة لا يعدي الفعل إلى غيره إلا بأن يعتمد في جسم يوصله إليه؛ لأن الإختراع عليه في غير جسم مستحيل، ونحن نعلم ضرورة أن هذه الآلام وقعت علينا بغير اعتماد من غيرنا عدَّاها في جسم إلينا، يعلم ذلك كل عاقل؛ بل ربما يفزع إلى إعتماد الغير عليه لدفع بعض الألم؛ وبهذا يبطل قول المجوس أن الألم من الشيطان - أعني الفرقة التي زعمت أن الشيطان حدث من فكرة يزدان الردية -.