[الطرق الدالة على حدوث الأجسام]
[دليل عقلي على قبح التقليد]
  ولأن المقلد لا يأمن من خطأ من قلده، والإقدام على ما لا يأمن الإنسانُ فيه الخطأ قبيحٌ، ولا يجوز للعاقل الإقدامُ على القبيح.
  أمَّا أنَّ المقلدَ لا يأمن خطأ من قَلَّدهُ: فذلك ظاهر، لأنه يأخذ منه بغير برهان، وما أخذ كذلك لم يؤمن فيه الخطأ؛ لأن في مقالة المقلَّد - من أهل العفة والصلاح في ظاهر الحال - من يقضي بتخطئته وضلاله، فلا يأمن الغافل لهذه الأمارة صحةَ ما قيل؛ سيما إذا كان القائل ممن يزيد عليه في سلامة الظاهر أو يساويه.
  وأمّا أنَّ الإقدام على ما هذا حاله قبيح؛ فلأنا نعلم أنه يقبح من أحدنا القطعُ على مخبر خبر لا يأمن كونه كذباً، وليس إلا أنه قطع بغير برهان ولا يقين، ولأنه لو ساغ التقليد لواحد لساغ لكل واحد لأنه لامخصص، فكان ذلك يؤدي إلى تصويب كل فرقة، وذلك ما لم يقل به مسلم ولا كافر، لأن كل فرقة من فرق الإسلام تدعو إلى سبيلها، وتخطيء من خالفها.
[بيان قُبْح تقليد الأكابر]
  فإن قيل بتقليد الأكابر.
  فلا شك أن لكل فرقة أكابراً وأسلافاً، فكان ذلك يُسَوِّغُ لليهود والنصارى تقليدَ أسلافهم؛ لأن إعتقادهم في أسلافهم كاعتقادنا في أسلافنا، بل أعظم، وقد بين الله - تعالى - ذلك ونعاه عليهم فقال: {لَا شَرِيكَ لَهُ}[الأنعام: ١٦٣]، في التعظيم، وما به فرقة إلا ولها من تعظمه وتزكيه، وتفزع إليه، كما قدمنا، فلا وجه من وجوه الصلاح، ولا طريق من طرق السلامة أسعد مقدماً، وأحمد عاقبة، من اتباع الدليل؛ سيما وقد ذمّ الله - تعالى - المقلدين، وعنفهم بالتقليد في كتابه المبين، فقال، وهو أصدق القائلين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ١٧٠}[البقرة].